19 April 2024

الشيخ المفيد ودوره في علم الكلام

الشيخ صفاء المشهدي

تمهيد
تميّز المتقدّمون من علماء الإماميّة بالاهتمام بالبحوث الكلاميّة والعَقَديّة على قدر اهتمامهم بالبحوث الفقهيّة والشرعيّة وغيرها، سيّما في القرنين الرابع والخامس الهجريّين، إذ تكاملت الهويّة العلميّة للمذهب، وتقرّرت أصوله وأسسه بشكلٍ علميٍّ ومنهجيٍّ أكثر ممّا مضى، وكان للشيخ المفيد ومدرسته العملاقة القدح المعلّى في هٰذا المضمار، وهٰذا ما يلمسه الباحث بوضوحٍ في التراث العلميّ للشيخ المفيد، سيّما التراث الكلاميّ، وقد كانت فترة حياته فترة تكوين المذاهب الفكريّة والعَقَديّة وغيرها.
ومن المعلوم أنّ الشيخ المفيد يُعدّ شخصيّةً فذّةً قلّ نظيرها في مصافّ العلماء، وعالمًا كبيرًا برع ففاق أهل زمانه، بل ومن جاء بعدهم، فهو آيةٌ في العلم والنبوغ، وآيةٌ في العمل والعبادة والاجتهاد على حدٍّ سواءٍ. وبذٰلك جمعت شخصيّته الفذّة جميع المزايا العلميّة والعمليّة. لقد صاغت هٰذه الخصائص من شخصيّة الشيخ المفيد كنزًا ثمينًا وشخصيّةً رائعةً لا تدانيها ولا تضاهيها شخصيّةٌ أخرى، فالجميع ينحني أمام هٰذه الشخصيّة إجلالًا وتعظيمًا لما يجدونه من وقعٍ عظيمٍ وهيبةٍ كبيرةٍ لها في النفوس، حتّى قيل: «إنّ له على كلّ إمامٍ منّةً» [ابن حجرٍ، لسان الميزان 5: 416]. والمقال الحاضر يسلّط الضوء على جانبٍ من سيرته الفرديّة والعلميّة في حقل العقيدة والكلام.

1: اسمه وكنيته ولقبه
هو الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير - وهو غير سعيد بن جبيرٍ التابعيّ المفسّر - بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد بن سنان بن عبد الدار بن الريّان بن قَطَر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عُلَة بن خلد بن مالك بن أُدَدِ بن زيد بن يشجُب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجُب بن يعرب بن قحطان [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 399].
والمعروف أنّ كنيته (أبو عبد الله) بل هو المتبادر عند إطلاقها من بين جماعة يكنّون بذٰلك وهم: الحسين بن عبيد الله الغضائريّ وأحمد بن عبدون [بحر العلوم، الفوائد الرجاليّة 4: 108].
لُقِّب بـ(المفيد) لغزارة علمه وكثرة إفاداته، وعرف أيضًا بابن المعلِّم لمهنة أبيه في التعليم [ابن حجر، لسان الميزان 5: 368]، كما يلقّب أيضًا بالبغداديّ والعُكبريّ نسبةً إلى مسقط رأسه في (عُكبرا)، وبالحارثيّ نسبة إلى الحارث بن كعبٍ.
والمعروف أنّ الّذي لقّبه بالمفيد هو عليّ بن عيسى الرمّانيّ من علماء بغداد ومتكلّميها، وذٰلك في عنفوان شباب الشيخ وأخذه العلم. والسبب في تسميته ـ كما يرويه ابن إدريس ـ هو أنّ الشيخ المفيد عندما كان يقرأ على شيخه أبي ياسرٍ أشار عليه بأن يقرأ على عليّ بن عيسى الرمّانيّ، وأرسل معه من يدلّه على مجلسه، يقول الشيخ: فلمّا دخلتُ قعدتُ حيث انتهى بي المجلس الّذي كان غاصًّا بأهله ومليئًا بالحاضرين، فلمّا خفّ الناس اقتربت من مجلسه، فدخل عليه في هٰذه الأثناء رجلٌ من أهل البصرة، فأكرمه الرمّانيّ وطال الحديث بينهما، فقال الرجل لعليّ بن عيسى: ما تقول في يوم الغدير والغار؟ فقال: أمّا خبر الغار فدرايةٌ، وأمّا خبر الغدير فروايةٌ، والرواية ما توجب ما توجبه الدراية ـ قال: ـ وانصرف البصريّ ولم يحر خطابًا يورد إليه.
قال المفيد: فقلت: أيّها الشيخ، مسألة! فقال: هات مسألتك. فقلت: ما تقول في من قاتل الإمام العادل؟ قال: يكون كافرًا، ثمّ استدرك فقال: فاسقًا. فقلت: ما تقول في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ ؟ قال: إمامٌ ـ قال: ـ قلت: فما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير؟ فقال: تابا. فقلت: أمّا خبر الجمل فدرايةٌ، وأمّا خبر التوبة فروايةٌ. فقال لي: كنت حاضرًا وقد سألني البصريّ؟ فقلت: نعم، روايةٌ بروايةٍ ودرايةٌ بدرايةٍ! فقال: بمن تُعرف وعلى من تقرأ؟ قلت: أُعرف بابن المعلم، وأقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجُعَل. فقال: موضعك، ودخل منزله وخرج ومعه رقعةٌ قد كتبها وألصقها، فقال لي: أوصل هٰذه الرقعة إلى أبي عبد الله، فجئت بها إليه، فقرأها ولم يزل يضحك بينه وبين نفسه، ثمّ قال: أيش جرى لك في مجلسه؟ فقد وصّاني بك ولقّبك المفيد، فذكرت المجلس بقصته فتبسّم [ابن إدريس، السرائر (المستطرفات) 3: 648].
     
ولٰكن ذكر ابن شهرآشوب أنّ الّذي لقّبه بالمفيد هو الإمام الحجّة # ثمّ قال: «إنّه قد ذكر سبب ذٰلك في كتابه (مناقب آل أبي طالبٍ)» [ابن شهر آشوب، معالم العلماء: 112]. ومقصوده التوقيعان الصادران عن الناحية المقدّسة الوارد فيهما مخاطبته بالمفيد: «للأخ السديد، والوليّ الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان، أدام الله إعزازه» [الطبرسيّ، الاحتجاج 2: 495]. إلّا أنّه لم يعثر على ما ذكره ابن شهرآشوب في كتابه (المناقب) [الخوئيّ، معجم رجال الحديث 17: 209].
2: مولده وشمائله
ولد الشيخ المفيد في «عكبرا» من نواحي الدجيل بالعراق في الحادي عشر من ذي القعدة سنة 336 هـ بحسب ما ذكره تلميذه الشيخ النجاشيّ [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 402]، إلّا أنّه نقل قولًا بأنّ سنة ولادته هي 338 هـ، وهو قول الشيخ الطوسيّ [الطوسيّ، الفهرست: 158] وابن النديم [ابن النديم، الفهرست: 247]، وتبعهما عليه ابن شهرآشوب [ابن شهر آشوب، معالم العلماء: 112].
وثمّة قولٌ ثالثٌ لصاحب (الرياض) ذهب فيه إلى أنّ سنة ولادته هي 333 هـ [الأصفهانيّ، رياض العلماء 5: 177].
وأمّا صفته وشمائله: فقد وصفه المؤرخون بأنّه كان ربعةً، نحيفًا، أسمر، قويّ النفس، كثير البرّ والصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، يلبس الخشن من الثياب، كثير التقشّف والتخشّع والإكباب على طلب العلم [الذهبيّ، سِيَر أعلام النبلاء 17: 344، نقلًا عن ابن أبي طيٍّ في (تاريخ الإماميّة)]. وذكر صهره الشريف أبو يعلى الجعفريّ: أنّه «ما كان ينام من الليل إلّا هجعةً، ثمّ يقوم يصلّي أو يطالع أو يتلو القرآن» [ابن حجرٍ، لسان الميزان 5: 416].
3: مشايخه
عُرف الشيخ المفيد بحبّه للعلم منذ صباه، فقد نال إجازة الحديث من شيخه ابن أبي اليابس (م 341 هـ) وهو في الخامسة من عمره، كما روى بالإجازة عن ابن السمّاك (م 344 هـ) وله من العمر حين موته سبع سنين وأربعة أشهرٍ [المفيد، أمالي المفيد: 340؛ البغدادي، تاريخ بغداد 11: 302]، وتحمّل الرواية أيضًا عن جماعة من المحدّثين وهو بعد لم يتجاوز الاثني عشر عامًا [المفيد، أمالي المفيد: 2، 3، 17؛ البغداديّ، تاريخ بغداد 12: 81؛ النجاشيّ، رجال النجاشي: الرقم 7].
وروى أيضًا عن أبي عليٍّ الصوليّ وعليّ بن بلالٍ المهلّبيّ وابن الجعابيّ (م 355 هـ) في سنّ السادسة عشرة، وعن الحسن بن حمزة بن عليٍّ المرعشيّ في الثامنة عشرة أو العشرين [المفيد، الأماليّ: 101؛ البغداديّ، تاريخ بغداد 3: 26؛ النجاشيّ، رجال النجاشيّ: الأرقام 150، 1049، 1055؛ الطوسيّ، الفهرست: رقم 184 نقلًا عن مجموعة المقالات والرسالات 9: 8].
وسوف نشير إجمالًا إلى أهمّ من تأثّر بهم، ويأتي على رأسهم شيخه ابن قولويه (م 368 هـ) الّذي أخذ عنه الفقه [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 123. الرقم 318]، وكان آيةً في العلم والفقاهة، يصفه النجاشيّ فيقول: «وكلّ ما يوصَف به الناس من جميلٍ وثقةٍ وفقهٍ فهو فوقه» [المصدر السابق].
ومن أساتذته في الحديث الشيخ الصدوق، لقيه عندما قدم إلى بغداد سنة 356 هـ، ومن عيون أساتذته في الكلام عليّ بن عيسى الرمّانيّ، وأبو ياسرٍ غلام أبي الجيش البلخيّ، وأبو عبد الله المعروف بالجُعَل [ورّام، الخواطر ونزهة النواظر 1: 302].
وقد ذكر المحدّث النوريّ خمسين شيخًا من أساتذته، وزاد عليهم العلّامة السيّد الخرسان أحد عشر اسمًا فصاروا 61 شخصًا [الطبرسيّ، خاتمة المستدرك 3: 518؛ وانظر: الخرسان، مقدّمة تهذيب الشيعة]، وزاد عليهم السيّد محمّدجواد الشبيريّ عشرة أسماءٍ فأضحوا 71 نفسًا [مجموعة المقالات والرسالات (سلسلة إصدارات المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد) 9: 10 (إطلالةٌ على حياة الشيخ المفيد). انظر للتفصيل عن أساتذته: الخزرجيّ، صفاء الدين، فقهاء الإماميّة، ج 2، ص 342].
4: تلامذته
تخرّج من مدرسة الشيخ المفيد جملةٌ من الجهابذة والعلماء والنوابغ نشير إلى بعضهم بنحو الاختصار [انظر للتفصيل عن تلامذته: الخزرجيّ، صفاء الدين، فقهاء الإماميّة، ج 2، ص 350].
1 ـ السيّد المرتضى علَم الهدى، عليّ بن الحسين بن موسى (م 436 هـ). كان أكثر تلامذته علمًا وفضلًا ووجاهةً، يقول عنه النجاشيّ وهو زميله في التتلمذ على يد الشيخ المفيد: «حاز من العلوم ما لم يدانِه فيه أحدٌ في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلّمًا شاعرًا أديبًا عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا» [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 270، الرقم 708].
وكان الشيخ المفيد معجبًا بشخصيّة السيّد المرتضى، ويكنّ له احترامًا خاصًّا، فقد نقل الشهيد الأوّل في ذٰلك أنّه: «حضر المفيد مجلس السيّد يومًا، فقام من موضعه وأجلسه فيه وجلس بين يديه، فأشار المفيد بأن يدرّس في حضوره، وكان يعجبه كلامه إذا تكلّم» [الأصفهانيّ، رياض العلماء 4: 23].
2 ـ الشريف الرضيّ محمّد بن الحسين بن موسى (م 406 هـ). أخو المرتضى، ونقيب العلويّين ببغداد، وكان شاعرًا مبرّزًا. [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 398، الرقم 1065]
3 ـ الشيخ الطوسيّ المعروف بشيخ الطائفة، محمّد بن الحسن (م 460 هـ). كان مقدّمًا في العلوم ومؤسسًا فيها، ومصنّفًا بكلّ ما يتعلّق بالمذهب أصولًا وفروعًا، درس على الشيخ المفيد خمس سنوات.
4 ـ الشيخ أبو الفتح الكراجكيّ محمّد بن عليّ بن عثمان بن عليّ (م 449 هـ). كان متضلّعًا في الفقه والكلام والحكمة والرياضيّات والطبّ والنجوم واللغة [انظر: الصدر، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 386]، قال عنه العماد الحنبليّ: «رأس الشيعة، صاحب التصانيف» [الحنبليّ، شذرات الذهب 3: 283، في حوادث سنة 499]. وتبلغ مصنّفاته زهاء التسعين كتابًا.
5 ـ الشريف محمّد بن الحسن بن حمزة، أبو يعلى الجعفريّ الطالبيّ (م 463 هـ). وهو صهر الشيخ المفيد والجالس مجلسه عند غيابه، وكان من الفقهاء العلماء والمتكلّمين. [المصدر السابق]
6 ـ سالار بن عبد العزيز الديلميّ (م 448 هـ). قال عنه العلّامة: «شيخنا المقدّم في الفقه والأدب وغيرهما، كان ثقةً وجهًا» [العلّامة الحلّيّ، الخلاصة: 86]. ووصفه ابن داوود بالفقاهة والجلالة والعظمة. [انظر: ابن داوود، رجال ابن داوود: 104]
7 ـ محمّد بن محمّد بن أحمد البُصْرَوِيُّ (م 443 هـ). قال عنه الشيخ الحرّ: «فقيهٌ، فاضلٌ، نقلوا له أقوالًا في كتب الاستدلال» [العامليّ، تذكرة المتبحّرين: 903].
8 ـ أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشيّ، المكنّى بأبي العبّاس (م 372 ـ 450 هـ).
9 ـ أحمد بن عليّ بن قدامة القاضي، أبو المعالي (م 486 هـ).
10 ـ إسحاق بن الحسن بن محمّدٍ البغداديّ. [ابن حجر، لسان الميزان 1: 36، الرقم 106]
11 ـ جعفر بن محمّدٍ الدوريستيّ، أبو عبد الله (كان حيًّا عام 473 هـ). [الرازيّ، فهرست الشيخ منتجب الدين: 66]
12 ـ الحسن بن عليٍّ الرقّيّ، أبو محمّد. نقل في الرملة في شوال من سنة 423 هـ قصّة منام الشيخ المفيد حول حديث الغار الّتي وردت في (كنز الفوائد) للكراجكيّ. [الكراجكيّ، كنز الفوائد 2: 50؛ الطبرسيّ، الاحتجاج: 499 ـ 502]
13 ـ الحسن بن عنبس بن مسعود بن سالم بن محمّد شريك الرافقيّ، أبو محمّد. [ابن حجر، لسان الميزان 2: 242، الرقم 1118]
14 ـ الحسين بن أحمد بن محمّد بن القطّان. [المصدر السابق: 267، الرقم 1115]
15 ـ الحسين بن عليٍّ النيشابوريّ، من رواة (أمالي المفيد).
16 ـ ذو الفقار بن معبدٍ الحسنيّ، أبو الصمصام. [المجلسيّ، بحار الأنوار 107: 156]
17 ـ عبد الرحمٰن، أبو محمّدٍ شقيق راوي (أمالي المفيد). [المفيد، الأمالي، بداية المجلس 17 و 20؛ وكذا في مستهلّ المجلس 18]
18 ـ عليّ بن محمّدٍ الدقّاق، أبو الحسن. [الطهرانيّ، الذريعة 1: 246]
19 ـ المظفّر بن عليّ بن حسينٍ الحمدانيّ، أبو الفرج. [الرازيّ، فهرست الشيخ منتجب الدين: 156]
20 ـ يحيى بن الحسين بن هارون الحسنيّ، أبو طالب. [اسفنديار، تاريخ طبرستان: 101]
21 ـ أبو الفوارس ابن راوي (أمالي المفيد). [المفيد، الأمالي، مستهلّ المجالس 4 ـ 7، 17 ـ 21، 26 ـ 31]
22 ـ أبو الوفاء المحمّديّ الموصليّ.
5: لمحةٌ عامّةٌ عن الجهود الكلاميّة للشيخ المفيد
شكّلت الغيبة الكبرى منعطفًا كبيرًا في تاريخ التشيّع، إذ دبّ الشكّ والتشتّت إلى حدٍّ ما بين صفوف القواعد الشيعيّة، فبين متوقّفٍ على إمامة الإمام العسكريّ (ع)، قد أنكر إمامة الإمام الثاني عشر ـ ولعلّ ذٰلك بسبب طمع بعض وكلاء الإمام العسكريّ بأمواله ـ وبين مغالٍ مدّعٍ للسفارة عن الإمام الحجّة (عج) كذبًا وزورًا، ولم يكن ذٰلك لولا الفراغ الحاصل ـ ظاهرًا ـ في موقع القيادة والإمامة، ولم يكن يملأ هٰذا الفراغ سوى العلماء الّذين انتقلت في تلك الحقبة مسؤوليّة الدفاع عن المذهب والدين إليهم، وتشكّلت الحواضر العلميّة بقمٍّ والريّ وبغداد وبرز فيها جهابذةٌ كبارٌ كالقديمين والصدوقين والشيخين والسيّدين والنوبختيّين وغيرهم؛ ولذا نلاحظ أنّهم ركّزوا كثيرًا على قضيّة الغيبة لكونها أمرًا مستجدًّا في الواقع الشيعيّ، فكتب النعمانيّ والشيخ الطوسيّ فيها، وكان للشيخ المفيد قصب السبق في ذٰلك، إذ صنّف عدّة مصنّفاتٍ أو رسائل مثل كتب (الغيبة) و(المسائل العشر في الغيبة) و(مسألةٌ في سبب استتار الحجّة) وغيرها. [النجاشيّ، رجال النجاشيّ، الرقم 1067؛ الطهرانيّ، الذريعة، ج 20، ص 361 و388 و355 و395]
وفي القرن الرابع تمثّلت الحواضر العلميّة للشيعة بالريّ وقمٍّ وبغداد، ولٰكن لكلّ مدرسةٍ منهجها الخاصّ بها، فمدرستا الريّ وقمٍّ مدرستان للحديث والأثر، سواءٌ في الأصول أو الفروع، بينما مدرسة بغداد هي مدرسة النظر والمنهج العقليّ، إضافةً للمنهج النقليّ بالطبع؛ لذا يقول السيّد المرتضى في هٰذا المجال: «إنّ جماعةً من معتقدي التشيّع عندي غير عارفين في الحقيقة، وإنّما يعتقدون الديانة على ظاهر القول بالتقليد والاسترسال دون النظر في الأدلّة والعمل على الحاجة، ومن كان بهٰذه المنزلة لم يحصل له الثواب الدائم» [المرتضى، الفصول المختارة، ص 78].
ولولا جهود الشيخ المفيد ومدرسته لكانت الصبغة الأخباريّة هي الحاكمة على العقائد لدى الشيعة، إذ كانت مدرسة قمٍّ بزعامة الشيخ الصدوق تنتهج المنهج الأثريّ في التعامل مع العقائد، ولا تسمح للعقل بالنظر فيها سوى في مساحةٍ محدودةٍ جدًّا؛ ولذا بدأ الشيخ بخطوتين أساسيّتين:
الأولى: تأصيل المنهج العقليّ في الأصول والفروع معًا.
الثانية: تصحيح المنهج والمسار المتّبع في بعض الحواضر الشيعيّة كقمٍّ، حيث ردّ على الشيخ الصدوق في (تصحيح الاعتقاد) وناقش الجاروديّة والزيديّة والإسماعليّة الّتي تعدّ فرقًا من الشيعة لها حضورها الفكريّ في تلك الآونة.
ولم ينشغل الشيخ المفيد بالواقع الفكريّ الشيعيّ، بل اهتمّ كثيرًا بالفرق والتيّارات العَقَديّة الأخرى خارج المذهب، وفيما يلي نشير إلى بعض تلك المدارس والتيّارات على وجه الاختصار:
أ: المعتزلة
تُعدّ المعتزلة من أعرف الفرق الّتي اعتمدت العقل مصدرًا رئيسًا لفكرها؛ ولذا اهتمّ الشيخ المفيد بها، وأخذت حيّزًا من كتاباته ونتاجاته العلميّة، سيّما في المسائل المختلف فيها بيننا وبينهم، كمسألة الإمامة والعصمة، واحتياج العقل إلى النقل وعدمه، وقد خالفهم الشيخ المفيد في كتاب (أوائل المقالات) في ثمانيةٍ وسبعين موضعًا [المقالات والرسالات الرقم 18، الأنصاري الزنجانيّ، 39، ص 7]، بل يُفهم من مقدّمة الشيخ المفيد لهٰذا الكتاب أنّه صنّفه أساسًا لبيان الفرق بين الشيعة والمعتزلة، وإن اشتمل على بحوثٍ أخرى.
كما أنّه نقض فكرهم من خلال عدّة كتبٍ ردّ فيها عليهم، وهي أكثر من عشرة مصنّفاتٍ مثل الردّ على أبي عليٍّ الجبّائيّ، والكلام على الجبّائيّ في المعدوم، والنقض على عليّ بن عيسى الرمّانيّ، وعمدٌ مختصرةٌ على المعتزلة في الوعيد، وغيرها ممّا ورد في فهرست كتبه.
ب: المرجئة
وهي من أخطر الفرق الكلاميّة على الإسلام، حيث تهدف إلى تفريغ العقيدة من محتواها والحؤول دون تأثيرها.
حيث تدعو هٰذه الفرقة إلى كفاية الإيمان القلبيّ مهما كان السلوك منحرفًا، وقد تصدّى الشيخ المفيد لهٰذه الدعوة في كتابه (أوائل المقالات).

6: تراثه الكلاميّ والفلسفيّ
لقد تجسّد العطاء العلميّ للشيخ المفيد بثلاثة أمورٍ رئيسة:
الأوّل: تربية جيلٍ من العلماء الأفذاذ الّذين تخرّجوا من مدرسته.
الثاني: كتبه ومؤلّفاته المهمّة من الناحية الكمّيّة والكيفيّة.
الثالث: مناظراته وحواراته.
وقد تقدّم الكلام عن الأمر الأوّل، وسوف نتكلّم عن الأمر الثاني والثالث بالترتيب، فنقول: [انظر: الخزرجيّ، فقهاء الإماميّة، ج 2، ص 353] إنّ مؤلّفات الشيخ المفيد البالغة مئتي مؤلفٍ تعدّ بحقٍّ من مفاخر مدرسته العظيمة، فهي عطاءٌ علميٌّ ثرٌّ جمع بين العمق والتنوّع والمنهجيّة والأصالة.
لقد جاءت مؤلّفات الشيخ المفيد تأسيسيّةً من رجلٍ مؤسّسٍ في قرنٍ عُدّ فاصلًا ومؤسّسًا لما بعده من القرون، وإنّ اعتماد المنهج العلميّ لدى الشيخ في مؤلّفاته قد أدخل عمليّة التصنيف (الإماميّ) في كلّ اتّجاهاته مرحلةً حديثةً من التأليف والتصنيف غير ما عرفته مدرسة الحديث من عمليّات الجمع والتبويب والعنونة وتجريد الأسانيد الّتي لا تنفذ إلى عمق المادّة العلميّة؛ لتحليلها ودراستها دراسةً علميّةً موضوعيّةً تخضع لأُصول البحث العلميّ وقواعده، وقد كان هٰذا المنهج شاملًا ويغطّي جميع العلوم الّتي تناولها وبحثها الشيخ المفيد.
وتتّسم مؤلّفات الشيخ المفيد بالشموليّة والاستيعاب لكثيرٍ من العلوم الشائعة آنذاك، إلّا أنّ السمة الغالبة فيها التركيز على علمي الفقه والكلام بوصفهما ركنين مهمّين في التكوين المذهبيّ لأيّ مذهبٍ.
إنّ الملاحِظ لمصنّفات الشيخ المفيد يلمس بوضوحٍ الموسوعيّة العلميّة الّتي تتمتّع بها هٰذه الشخصيّة الفذّة، فهو المتكلّم والفقيه والمحدّث والأصوليّ.
يقول الشيخ عبد الله نعمة: «ترك المفيد مؤلّفاتٍ متنوّعةً وفي شتّى المواضيع، كانت طبيعة عصره بحاجةٍ ملحّةٍ إليها، وأكثرها في العقائد والردود أو النقوض الّتي كانت صدًى لروح العصر الّذي عاشه، وانعكاسًا واضحًا لطبيعة تلك الحقبة الصاخبة بالجدل الدينيّ والمناظرات المذهبيّة، ويمثّل أبرز ثورةٍ عقديّةٍ عرفها المسلمون يوم كانت بغداد مسرحًا رحبًا لعقائد وآراءٍ ونزعاتٍ ومذاهب في مختلف أشكالها وألوانها، وهي في نقاشٍ وجدلٍ مستمرّين يحتضن كلّ ذٰلك حرّيّةٌ واسعةٌ تتّسع حتّى للملحدين والزنادقة».
ثمّ يضيف قائلًا: «وكان على المفيد ـ وهو زعيم الشيعة الإماميّة العلميّ والفكريّ ـ أن ينبري لمصارعة زعماء تلك المذاهب والنزعات بما وهبه الله من طاقةٍ علميّةٍ حيّةٍ، وفكرٍ واعٍ رحبٍ، ومن هنا كانت مؤلّفاته ـ على الأكثر ـ ذات طابعٍ متميّزٍ عن مؤلّفات سواه، يظهر عليها روح الجدل والمناظرة، أو روح الدفاع العَقَديّ أو التقرير» [نعمة، فلاسفة الشيعة.. حياتهم وآراؤهم: 454].
وعلى كلّ حالٍ فقد كان الشيخ المفيد معروفًا بتصانيفه الغزيرة الّتي انتشرت بين الناس، وذاعت بينهم، فكان يُعرف بـ «صاحب التصانيف الكثيرة» [الذهبيّ، العبر 3: 114؛ الذهبيّ، دول الإسلام 1: 216]. ويُنعت بأنّه: «كثير التصنيف» [البغداديّ، تاريخ بغداد 3: 231؛ الذهبيّ، ميزان الاعتدال 4: 26]. ويقال إنّ «له أكثر من مئتي مصنّفٍ» [الذهبيّ، سِيَر أعلام النبلاء 17: 345؛ اليافعيّ، مرآة الجنان 3: 28].
وتنقسم مصنّفات الشيخ المفيد بشكلٍ عامٍّ إلى ثلاثة أقسامٍ رئيسة:
1 ـ قسم المؤلّفات الخاصّة في موضوعٍ خاصٍّ.
2 ـ قسم الأجوبة عن الأسئلة الواردة عليه من أصقاع العالم الإسلاميّ.
3 ـ قسم الردود والنقوض على الآراء الباطلة.
ويبلغ مجموع هٰذه المؤلّفات نحو مئتي مؤلّفٍ كما ذكره مترجموه [الطوسيّ، الفهرست: 157].
والّذي يهمّنا هو التعرّض لمؤلّفاته العَقَديّة والكلاميّة الّتي قد ناهزت التسعين مؤلفًا، وهي تقرب من نصف مجموع مؤلّفاته، والمتصفّح لعناوين كتبه الكلاميّة يقف بوضوحٍ على سعة الأبعاد الكلاميّة في شخصيّته.

7: مؤلّفاته في الكلام:
1 ـ الإفصاح في الإمامة [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 399].
ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسين: الأوّل في إمامة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ (ع)، والثاني في إمامة غيره. وهو في حقيقته بحث علميّ مقارن بين الإمامتين استوفى فيه ما استدل به على الإمامة عند الفريقين سيّما عند الجمهور، ووعد بكتابة بحث مستقل وشامل في إمامة أمير المؤمنين  من القرآن والسنّة الشريفة. طبعه المؤتمر الخاصّ به في ذكراه الألفيّة في المجلّد الثامن من الصفحة 25 إلى 243.
2 ـ أقسام المولى في اللسان [المصدر السابق، 401].
وهو دراسةٌ لغويّةٌ وافيةٌ لأقسام كلمة المولى الواردة في حديث النبيّ (ص) «من كنت مولاه فهٰذا عليٌّ مولاه» في حديث الغدير. وله رسالةٌ أُخرى في معنى المولى سيأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى. وقد طُبعت أقسام المولى في المجلّد الثامن من إصدارات المؤتمر في 16 مجلدًا.
3 ـ أوائل المقالات في المذاهب المختارات [المصدر السابق، 400].
بحثٌ مفصّلٌ في عقائد المذهب الإماميّ مع ذكر من يوافقهم من سائر الفرق، وهو كتابٌ كلاميٌّ قيّمٌ في الكلام المقارن. طُبع في المجلّد الرابع من سلسلة مصنّفات الشيخ المفيد.
4 ـ آي القرآن المنزلة في أمير المؤمنين (ع) [المصدر السابق] ـ مفقود.
قال في أوّله: «وأنا بمشيئة الله وعونه أفرد في ما تعتمده الشيعة في إمامة أمير المؤمنين من آيات القرآن المحكمات والأخبار الصادقة». وقد كان هٰذا الكتاب عند السيّد ابن طاووسٍ في القرن السابع، وينقل عنه في (سعد السعود) [ابن طاووسٍ، سعد السعود: 11 و 116] باسم: (كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت )، كما نقل عنه في البحار [المجلسيّ، بحار الأنوار 53: 93] ولٰكن أطلق عليه في (الذريعة) اسم (تيسير آي القرآن المنزّلة في أمير المؤمنين (ع) ).
5 ـ الأركان في دعائم الدين [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 399] ـ مفقود.
6 ـ أحكام أهل الجمل [الطوسيّ، الفهرست: 158] ـ مفقود.
لا يبعد أن يكون المراد الأحكام، من جهةٍ كلاميّةٍ وفقهيةٍ، وهو غير كتاب (الجمل).
7 ـ الإيضاح في الإمامة [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 401] ـ مفقود.
8 ـ الإقناع في وجوب الدعوة [المصدر السابق، 400] ـ مفقود.
يقرب أن يكون موضوعه في الكلام.
9 ـ الباهر من المعجزات.
ذكره الشيخ المفيد في آخر كتاب (الفصول العشرة) أو (المسائل العشر) [المرتضى، الفصول العشرة: 124] وذكر النجاشيّ له: (الزاهر في المعجزات) [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 401]، ويحتمل اتّحادهما.
10 ـ البيان عن وجوه الأحكام [المصدر السابق، 400] ـ مفقود.
يقرب أن يكون موضوعه في الكلام.
11 ـ تصحيح الاعتقاد.
لم يذكره النجاشيّ ولا الشيخ في كتابيهما. ولٰكن ذكر النجاشيّ له: (الردّ على ابن بابويه)، ويحتمل قويًّا اتّحادهما. وهو شرحٌ لكتاب (الاعتقاد) للشيخ الصدوق، وقد ناقشه في بعض الآراء. وقد ترجم إلى الإنجليزيّة والفارسيّة، وطبعه المؤتمر في المجلّد الخامس.
12 ـ تفضيل أمير المؤمنين (ع) على سائر الصحابة أو على سائر أصحابه [المصدر السابق، 401]. طُبع في المجلّد التاسع من إصدارات المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد.
13 ـ تفضيل الأئمّة (ع) على الملائكة [المصدر السابق] ـ مفقود.
14 ـ تقرير الأحكام [ابن شهر آشوب، معالم العلماء: 114] ـ مفقود.
تعرّض الشيخ المفيد لذكره في (العيون والمحاسن)، كما نقل عنه ذٰلك السيد المرتضى في (الفصول المختارة من العيون والمحاسن) [المرتضى، الفصول المختارة: 159 و 167] بما يُفهم منه أنّه من الكتب الكلاميّة.
15 ـ جوابات أبي جعفرٍ القمّيّ [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 400] ـ مفقود.
ولعلّه نفسه كتاب الردّ على ابن بابويه، ويتردّد موضوعه بين الكلام والفقه.
16 ـ جواب أبي جعفرٍ الخراسانيّ [ابن شهر آشوب، معالم العلماء: 114].
ولعلّ المراد به الشيخ الطوسيّ، كما يتردّد موضوعه بين الكلام والفقه.
17 ـ جوابات أبي الحسن سبط المعافى بن زكريّا في إعجاز القرآن [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 400] ـ مفقودٌ.
18 ـ جوابات الكرمانيّ في فضل النبيّ  على سائر الأنبياء [المصدر السابق، 402] ـ مفقود.
19 ـ جوابات الفارقيّين في الغيبة [المصدر السابق، 400] ـ مفقودٌ.
20 ـ جوابات مسائل اللطيف من الكلام [المصدر السابق] ـ مفقودٌ.
21 ـ الحكايات.
جمعها الشريف المرتضى عن شيخه المفيد في الكلام، وجواب الشبهات من أمالي المفيد في مجالسه ومحاضراته، وهي ملحقةٌ في بعض المخطوطات بأوائل المقالات، وفي بعض آخر بالفصول المختارة، والمرجّح أنّها جزءٌ متمّم للأخير، وليست كتابًا مستقلًّا. [انظر: مجموعة المقالات والرسالات 1: 250]
وقد طُبعت في المجلّد العاشر من إصدارات المؤتمر.
22 ـ الردّ على ابن الأخشيد في الإمامة [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 402] ـ مفقود.
والمراد به أحمد بن عليّ بن بيغجور ابن الأخشيد البغداديّ المعتزليّ (المتوفّى 326 هـ).
23 ـ الردّ على ابن رشيدٍ في الإمامة [المصدر السابق] ـ مفقودٌ.
24 ـ الردّ على ابن عونٍ في المخلوق [المصدر السابق، 201] ـ مفقودٌ.
لعلّه في القول بخلق الأعمال وعقيدة الجبريّة، وابن عونٍ هو محمّد بن جعفر بن عونٍ الكوفيّ ساكن الريّ المتوفّى 312 هـ، وكان يقول بمذهب الجبريّة. [المصدر السابق، رقم 1020]
25 ـ الرد على ابن كُلَّابٍ في الصفات. [المصدر السابق، 400]
26 ـ الردّ على أبي عبد الله البصريّ في تفضيل الملائكة [المصدر السابق: 402] ـ مفقود.
وهو الحسين بن عليٍّ المعتزليّ شيخ المفيد المعروف بالجُعَل، المتوفّى 369 هـ.
والظاهر أنّ موضوع الكتاب في إثبات أفضليّة الأئمّة على الملائكة.
27 ـ الردّ على أصحاب الحلّاج [المصدر السابق: 401] ـ مفقود.
وهو الردّ على آراء الصوفيّة.
28 ـ الردّ على عثمانيّة الجاحظ [المصدر السابق: 399] ـ مفقود.
29 ـ الردّ على الخالديّ في الإمامة [المصدر السابق: 401] ـ مفقود.
وهو أبو الطيّب محمّد بن إبراهيم بن شهابٍ الخالديّ؛ المتوفّى 351 هـ. [ابن النديم، الفهرست: 174] وكان فقيهًا متكلّمًا، وهو بغداديّ المذهب. [مارتن، نظريّات علم الكلام عند الشيخ المفيد: 66]
30 ـ الردّ على العتيقيّ في الشورى [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 401] ـ مفقودٌ.
31 ـ الردّ على الكرابيسيّ في الإمامة [المصدر السابق: 400] ـ مفقودٌ.
استظهر الأُستاذ مارتن مكدرموت أنّ المراد به المحدّث والفقيه السنّيّ أبو
عليٍّ الحسين بن عليّ بن زيدٍ الكرابيسيّ المتوفّى 248 هـ، نسب له ابن النديم كتاب (الإمامة)، وقال عنه: إنّه كان يبغض عليًّا (ع) [ابن النديم، الفهرس: 174].
32 ـ الرسالة إلى الأمير أبي عبد الله وأبي طاهرٍ ابني ناصر الدولة في مجلسٍ جرى في الإمامة [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 402] ـ مفقود.
وهما ابنا ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان الحمدانيّ ملك الموصل، وناصر الدولة هو الأخ الأكبر لسيف الدولة الحمدانيّ.
33 ـ رسالةٌ في عدم سهو النبيّ (ص).
لم يذكرها الشيخ الطوسيّ ولا النجاشيّ. ولٰكن ذكر له ابن شهر آشوب (الردّ على ابن بابويه) فيمكن اتّحادهما. وقد طُبعت هٰذه في المجلّد العاشر من سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد.
34 ـ الرسالة الكافية في إبطال توبة الخاطئة.
35 ـ رسالةٌ في معنى المولى.
انفرد بذكرها المحقّق الطهرانيّ باسم (مناظرة الشيخ المفيد مع الرجل البهشميّ)، طُبعت في المجلّد الثامن من السلسلة من إصدارات المؤتمر.
36 ـ الرسالة المقنعة في وفاق البغداديّين من المعتزلة لما رُوي عن الأئمّة . [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 400]
37 ـ رسالةٌ إلى أهل التقليد [المصدر السابق] ـ مفقود.
38 ـ الزاهر في المعجزات [المصدر السابق: 401] ـ مفقود.
39 ـ عقود الدين [ابن شهر آشوب، معالم العلماء: 114] ـ مفقود.
وقد أشار إليه في (تصحيح الاعتقاد)، وأنّه ذكر فيه جملة رواياتٍ في توحيده - سبحانه - ونفي التشبيه عنه  والتنزيه والتقديس [المفيد، تصحيح الاعتقاد: 56].
40 ـ العمد في الإمامة [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 402] ـ مفقود.
41 ـ عمدٌ مختصرة على المعتزلة في الوعيد [المصدر السابق] ـ مفقود.
42 ـ العيون والمحاسن [المصدر السابق: 399] ـ مفقود.
وذكر الشيخ الطوسيّ وابن شهر آشوب كتابًا آخر هو (الفصول من العيون والمحاسن) وهو الآخر مفقود. وإنّما الموجود هو ما اختاره السيّد من (العيون والمحاسن) باسم (الفصول المختارة من العيون والمحاسن).
وقد أشار الشيخ المفيد في كتاب (الإفصاح) إلى ما يكشف عن طبيعة كتاب (العيون والمحاسن) الكلاميّة، وثمّة بحثٌ عند المحققين يدور حول اتّحاد ( العيون والمحاسن) مع كتاب (الاختصاص) [انظر: مارتن، نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد: 57، و مجموعة المقالات والرسالات 9: 142]، وكتاب (العيون والمحاسن) قد وصل إلى السيّد ابن طاووسٍ في القرن السابع الهجريّ.
43 ـ الغيبة.
وهي عبارةٌ عن أربع رسائل في الغيبة. وقد ذكر النجاشيّ للشيخ المفيد الجوابات في خروج الإمام المهديّ #، والظاهر أنّها غير هٰذه الرسائل موضوعًا.
وعلى كلّ حال فإنّ الرسالة الأولى مطبوعةٌ في المجلّد السابع من إصدارات المؤتمر. وطُبعت الثانية ثلاث مرّاتٍ، وكذٰلك الثالثة والرابعة.
44 ـ شرح المنام.
لم يُذكر هٰذا في عداد مؤلّفاته. وإنّما هي مناظرةٌ في عالم المنام ناظر فيها حول آية الغار، وقصّها الشيخ المفيد على الشيخ أبي الحسن عليّ بن محمّد بن بنانٍ فرواها عنه ودوّنها. وقد طُبعت في المجلّد الثامن من سلسلة مصنّفات الشيخ المفيد.
45 ـ الفصول من العيون والمحاسن. [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 399]
ويرى صاحب (الذريعة) [الطهراني، الذريعة 16: 245] أنّ هٰذا الكتاب غير (الفصول المختارة من العيون والمحاسن) الّذي اختاره السيّد المرتضى، وأنّه من تأليف الشيخ المفيد نفسه.
46 ـ قضيّة العقل على الأفعال [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 401] ـ مفقود.
47 ـ المسائل الجاروديّة.
48 ـ كتاب الكامل في علوم الدين [ابن شهر آشوب، معالم العلماء: 114] ـ مفقود.
وقد ذكر الشيخ المفيد في (الفصول) بأنّه ذكر فيه عناوين كتب المتكلّمين الإماميّة الأوائل. [المرتضى، الفصول المختارة: 284]
لم يذكره النجاشيّ ولا الشيخ الطوسيّ بهٰذا الاسم، ولٰكن ذكر النجاشيّ كتابين للشيخ المفيد قريبين من موضوعه وهما: (مسائل الزيديّة) و(مسألةٌ على الزيديّة). وقد جزم المحقّق الطهرانيّ باتّحاد الأُولى منهما مع المسائل الجاروديّة [الطهرانيّ، الذريعة 20: 342 و 351]. فقد جاء في أوّل هٰذه المسائل: «أمّا بعد فقد اتّفقت الشيعة العلويّة من الإماميّة والزيديّة الجاروديّة على أنّ الإمامة كانت عند وفاة النبيّ (ص) لأمير المؤمنين (ع)» وعناوينه: (قالت الجاروديّة وقالت الإماميّة)، وقد طُبع هٰذا الكتاب من قِبل المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد في المجلّد السابع من سلسلة إصداراته. [انظر: مجموعة المقالات والرسالات 1: 274]
49 ـ المسائل العشر في الغيبة أو الفصول العشرة في الغيبة.
ذكرها ابن شهر آشوب باسم (أجوبة المسائل العشر) وذكرها المحقّق الطهرانيّ بهٰذا الاسم في الميم [الطهراني، الذريعة 20: 358]، وسُمّيت في مخطوطةٍ كُتبت في القرن السابع الهجريّ: (شرح الأجوبة عن المسائل في العشرة فصولٍ عمّا يتعلّق بمهديّ آل الرسول (عج) ).
وهي عشر مسائل حرّرها بعضهم، وسأل فيها الشيخ المفيد. ولمّا كانت هٰذه المسائل منسّقةً في عشرة فصولٍ، وكلّ مسألةٍ معنونة بفصلٍ؛ فقد طُبعت لأوّل مرّةٍ في النجف باسم (الفصول العشرة في الغيبة). كما طُبعت في المجلّد الثالث من إصدارات المؤتمر [مجموعة المقالات والرسالات 1: 280].
50 ـ المسائل السرويّة. [ابن شهر آشوب، معالم العلماء: 113]
وهي إحدى عشرة مسألةً عن:
1 ـ المتعة والرجعة.
2 ـ الأشباح والذرّ وعالم الأرواح.
3 ـ ماهيّة الروح.
4 ـ ماهيّة الإنسان.
5 ـ عذاب القبر.
6 ـ حياة الشهداء.
7 ـ المجبّرة.
8 ـ اختلاف الروايات.
9 ـ القرآن أهو ما بين الدفّتين؟
10 ـ نكاح عمر وأمّ كلثوم، وتزويج عثمان وزينب ورقيّة.
11 ـ أصحاب الكبائر.
وقد طُبعت في المجلّد السابع من سلسلة مصنّفات الشيخ المفيد من إصدارات المؤتمر.
51 ـ جوابات أبي الليث الأوانيّ. [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 400]
المشتهرة بالمسائل العُكبريّة أو جوابات المسائل العُكبريّة. وتسمّى أيضًا بالمسائل الحاجبيّة. وهي إحدى وخمسون مسألةً كلاميّة. وقد طُبعت ضمن المجلّد السابع من سلسلة مصنّفات الشيخ المفيد.
52 ـ مسألةٌ في النصّ الجليّ. [المصدر السابق: 401]
وقد نشرها العلّامة محمّدحسن آل ياسين في سلسلة (نفائس المخطوطات) بهٰذا الاسم. وذكر ابن شهر آشوب من مصنّفات الشيخ المفيد (المسألة المقنعة في إثبات النصّ على أمير المؤمنين (ع) ). وذكر له النجاشيّ (المقنعة في إمامة أمير المؤمنين (ع) ).
وقد وصلتنا من كتب الشيخ المفيد مسألتان في النصّ على عليٍّ (ع)، فهل هما نفس ما ذكرهما النجاشيّ وابن شهر آشوب أو هما شيءٌ آخر غير الواصل إلينا؟
وهاتان الرسالتان هما:
53 ـ مسألةٌ في النصّ على عليٍّ (ع).
وقد صدرت في المجلّد السابع من سلسلة إصدارات المؤتمر.
54 ـ مسألةٌ أخرى في النصّ على عليٍّ (ع). [المصدر السابق: 400]
وسُمّيت في مخطوطةٍ في مكتبة آية الله السيّد الحكيم (إبطال الشبهة) وفي أخرى (مناظرة الباقلّانيّ)، إذ كانت عبارةً عن مناظرةٍ سأل فيها القاضي الباقلّاني الشيخ المفيد عن النصّ على إمامة الإمام عليٍّ (ع)، وقد طبعها المؤتمر في المجلّد السابع أيضًا.
55 ـ مسألةٌ في الإرادة. [المصدر السابق: 399]
وهي بحثٌ مختصرٌ حول إرادة الله سبحانه، وقد طُبعت في المجلّد العاشر من إصدارات المؤتمر.
56 ـ مسألةٌ في وجوب الجنّة لمن تُنسب ولادته إلى النبيّ (ص) [المصدر السابق: 402] ـ مفقود.
57 ـ مسألةٌ في الأصلح [المصدر السابق: 399] ـ مفقود.
58 ـ مسألةٌ في أقضى الصحابة [المصدر السابق: 401] ـ مفقود.
ويُحتمل اتّحاد هٰذه الرسالة مع الرسالة الموجودة في مكتبة السيّد ابن طاووس (ت 664 هـ) باسم (مسألةٌ في قول النبيّ (ص): «عليٌّ أقضاكم»). [ابن طاووس، فرج المهموم: 53]
59 ـ مسألة منع انشقاق القمر وتكليم الذراع [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 402] ـ مفقود.
60 ـ مسألةٌ في رجوع الشمس [المصدر السابق: 402] ـ مفقود.
61 ـ المسألة على الزيديّة [المصدر السابق: 400] ـ مفقود.
وقد تقدّم له المسائل الجاروديّة أو الزيديّة.
62 ـ مسألةٌ في عصمة الأنبياء (ع) ـ مفقود.
وقد كانت نسخةٌ منه في مكتبة السيّد ابن طاووس (م 664 هـ)، ولم يذكرها النجاشيّ والطوسيّ وابن شهر آشوب.
63 ـ المسألة المقنعة في إمامة أمير المؤمنين (ع) [المصدر السابق: 402] ـ مفقود.
64 ـ مسألةٌ في المعراج [المصدر السابق: 400] ـ مفقود.
65 ـ مسألةٌ في معنى «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى».
66 ـ مسألةٌ في معنى قوله : «إنّي مخلّفٌ فيكم الثقلين» [المصدر السابق: 401] ـ مفقود.
67 ـ المجالس المحفوظة في فنون الكلام [المصدر السابق: 400] ـ مفقود.
68 ـ الكامل في علوم الدين [المصدر السابق: 401] ـ مفقود.
تعرّض لذكره الشيخ المفيد في (تصحيح الاعتقاد) [المفيد، تصحيح الاعتقاد: 72]، و(الفصول المختارة) [المرتضى، الفصول المختارة: 75] و(الحكايات) [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 401].
69 ـ الكلام في حدوث القرآن [المصدر السابق] ـ مفقود.
70 ـ الكلام في وجوه إعجاز القرآن [المصدر السابق: 400] ـ مفقود.
71 ـ المنير في الإمامة [الطوسي، الفهرست: 158] ـ مفقود.
72 ـ الموضّح في الوعيد [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 399] ـ مفقود.
73 ـ النكت الاعتقاديّة.
لم يرد في شيءٍ من المصادر المتقدّمة، وإنّما نُسب للشيخ المفيد.
74 ـ النكت في مقدّمات الأصول. [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 399]
وهو غير النكت الاعتقاديّة، وثمّة كلامٌ في نسبته إلى الشيخ المفيد [المصدر السابق: 402]. وقد طبعه المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد في المجلّد العاشر من سلسلة إصداراته.
75 ـ النصرة لسيّد العترة في أحكام البغاة عليه في البصرة [المصدر السابق] ـ مفقودٌ.
وقد تناول فيه أحكام البغاة في حرب الجمل من الزاوية الكلاميّة والفقهيّة.
76 ـ نقض الخمس عشرة مسألةً على البلخيّ [المصدر السابق: 400] ـ مفقودٌ.
77 ـ النقض على ابن قتيبة على الحكاية والمحكيّ [الطوسي، الفهرست : 239] ـ مفقودٌ.
وسمّاه النجاشيّ (الردّ على القتيبيّ في الحكاية والمحكيّ) [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 401]. وابن قتيبة هو أبو محمّدٍ ابن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوريّ اللغويّ الأديب.
والمحكيّ هو القرآن وحكايته تلاوته، وهو ما اشتهر في حينه عن جماعة قولهم لفظ القرآن مخلوق. [انظر: مجموعة المقالات والرسالات 1: 306]
78 ـ نقض الإمامة على جعفر بن حرب [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 400] ـ مفقودٌ.
79 ـ النقض على ابن عبّادٍ في الإمامة. [المصدر السابق].
80 ـ النقض على الجاحظ في فضيلة المعتزلة [المصدر السابق] ـ مفقودٌ.
81 ـ النقض على الطلحيّ في الغيبة [المصدر السابق] ـ مفقودٌ.
82 ـ النقض على عليّ بن عيسى الرمّانيّ [المصدر السابق:399] ـ مفقودٌ.
83 ـ النقض على القصيبيّ في الإمامة [المصدر السابق: 401] ـ مفقودٌ.
وهو إبراهيم بن عليّ بن سعيد بن عليّ بن زوبعة أبو أسحاق القصيبيّ المعتزليّ البغداديّ.
84 ـ النقض على الواسطيّ [المصدر السابق: 400] ـ مفقودٌ.
ولعلّ المراد به محمّد بن زيدٍ الواسطيّ (م 306 هـ) من تلامذة الجبّائيّ.
85 ـ نقض فضيلة المعتزلة [المصدر السابق: 399] ـ مفقودٌ.
86 ـ نقض كتاب الأصمّ في الإمامة [المصدر السابق: 400] ـ مفقودٌ.
وهو عبد الرحمٰن بن كيسان الأصمّ البصريّ المعتزليّ (م 200 هـ).
87 ـ نقض المروانيّة [المصدر السابق: 399] ـ مفقودٌ.
88 ـ النقض على غلام البحرانيّ (علّام البحرانيّ) في الإمامة [المصدر السابق: 401] ـ مفقودٌ.
89 ـ نهج البيان عن سبل (سبيل) الإيمان [المصدر السابق: 402] ـ مفقودٌ.
90 ـ نهج الحقّ [ابن طاووسٍ، اليقين: 174 و 457] ـ مفقودٌ.
واحتمل المحقّق الطهرانيّ اتّحاده مع سابقه [الطهرانيّ، الذريعة 24: 414].

8 : مؤلّفاته الفلسفيّة
1 ـ جوابات الفيلسوف في الاتّحاد [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 400].
2 ـ الكلام في أنّ المكان لا يخلو من متمكّن [المصدر السابق: 402] ـ مفقودٌ.
3 ـ الكلام على الجبّائيّ في المعدوم [المصدر السابق: 400] ـ مفقودٌ.
4 ـ الكلام في المعدوم [المصدر السابق] ـ مفقودٌ.
5 ـ الكلام على الإنسان [الطهرانيّ، الذريعة 2: 389] ـ مفقودٌ. والظاهر أنّه في تحليل ماهيّة الإنسان.
6 ـ مسألةٌ في ماهيّة الإنسان (المسألة الرابعة من المسائل السرويّة).
7 ـ مسألةٌ في ماهيّة الروح (المسألة الثالثة من المسائل السرويّة).
ولا يخفى أنّ مباحث هٰذه الكتب كانت تصنّف في علم الكلام سابقًا، ولٰكنّها تدخل اليوم في الفلسفة، وإن كان البعض منها يشترك البحث فيها في كلا العلمين.
9 : مناظراته
 اهتمّ الشيخ المفيد بموضوع المناظرة، وهي من دلائل تفوّقه العلميّ سيّما مع معتزلة بغداد المشهود لهم بدقّة النظر وقوّة الجدل، فقد ناظر مشايخ المعتزلة كأبي عمر الشطويّ والشيخ العرزالة وأبي الحسن الخيّاط وغيرهم. [المرتضى، العيون والمحاسن، ص 7 و45 و49 و70 و78 و88 و94 و103]
وهناك نحوٌ من أسلوب المناظرات الافتراضيّة سلكه الشيخ المفيد في كتابه (الإفصاح في إمامة عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام) حيث يتقمّص شخصيّة الخصم ويطرح شبهاتهم.
وهٰذا – عزيزي القارئ - نموذجٌ من مناظراته.
«قال رجلٌ من أصحاب الحديث ـ ممّن يذهب إلى مذهب الكرابيسي ـ للشيخ المفيد: ما رأيت أجسر من الشيعة فيما يدّعونه من المحال، وذٰلك أنّهم زعموا أنّ قول الله سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين مع ما في ظاهر الآية من أنّها نزلت في أزواج رسول الله (ص). وذٰلك أنّك إذا تأمّلت الآية من أوّلها إلى آخرها وجدتها منتظمةً لذكر الأزواج خاصّةً، ولم نجد لمن ادّعوها له ذكرًا. فقال له الشيخ أيّده الله: أجسر الناس على ارتكاب الباطل وأبهتهم وأشدّهم إنكارًا للحقّ وأجهلهم، من قام مقامك في هٰذا الاحتجاج ودفع ما عليه الإجماع والاتّفاق، وذٰلك أنّه لا خلاف بين الأمّة أنّ الآية من القرآن قد يأتي أوّلها في شيءٍ وآخرها في غيره، ووسطها في معنًى وأوّلها في سواه، وليس طريق الاتّفاق في معنى إحاطة وصف الكلام بالآي.
وقد نقل المخالف والموافق أنّ هٰذه الآية نزلت في بيت أمّ سلمة ورسول الله في البيت ومعه عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) وقد جلّلهم بعباءةٍ خيبريّةٍ وقال: اللّٰهمّ هٰؤلاء أهلُ بيتي. فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، فتلاها رسول الله (ص) فقالت له أمّ سلمة: يا رسول الله ألست من أهل بيتك؟ فقال لها: إنّك إلى خيرٍ ولم يقل إنّك من أهل بيتي. حتّى روى أصحاب الحديث أنّ عمر سُئل عن هٰذه الآية فقال: سلوا عنها عائشة. فقالت عائشة: إنّها نزلت في بيت أختي أمّ سلمة فاسألوها عنها فإنّها أعلم بها منّي. فلم يختلف أصحاب الحديث من الناصبة ولا أصحاب الحديث من الشيعة في خصوصها في من عددناه، وحمل القرآن في التأويل على ما جاء به الأثر أولى من حمله على الظنّ والترجيم. مع أنّ الله - سبحانه - قد دلّ على صحّة ذٰلك بمتضمّن الآية، حيث يقول جلّ وعلا: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، وإذهاب الرجس لا يكون إلّا بالعصمة من الذنوب؛ لأنّ الذنوب من أرجس الرجس، والخبر عن الإرادة هنا إنّما هو خبرٌ عن وقوع الفعل خاصّةً دون الإرادة الّتي يكون بها لفظ الأمر أمرًا، لا سيّما على ما أذهب إليه في وصف القديم بالإرادة، وأفرق بين الخبر عن الإرادة ها هنا والخبر عن الإرادة في قوله: ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ وقوله: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، إذ لو جرت مجرًى واحدًا لم يكن لتخصيص أهل البيت بها معنًى؛ إذ الإرادة الّتي يقتضي الخبر والبيان يعمّ الخلق كلّهم على وجهها في التفسير ومعناها، فلمّا خصّ الله أهل البيت (ع) بإرادة إذهاب الرجس عنهم دلّ على ما وصفناه من وقوع إذهابه عنهم، وذٰلك موجبٌ للعصمة على ما ذكرناه، وفي الاتّفاق على ارتفاع العصمة عن الأزواج دليلٌ على بطلان مقال من زعم أنّها فيهنّ.
مع أنّ من عرف شيئًا من اللسان وأصله، لا يرتكب هٰذا القول ولا توهّم صحّته؛ وذٰلك أنّه لا خلاف بين أهل العربيّة أنّ جمع المذكر بالميم وجمع المؤنث بالنون، وأنّ الفصل بينهما بهاتين العلامتين، ولا يجوز في لغة القوم وضع علامة المؤنّث على المذكّر، ولا وضع علامة المذكّر على المؤنّث، ولا استعملوا ذٰلك في حقيقةٍ ولا مجازٍ، ولما وجدنا الله - سبحانه - قد بدأ في هٰذه الآية بخطاب النساء فأورد علامة جمعهنّ من النون في خطابهنّ فقال: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾، ثمّ عدل بالكلام عنهنّ بعد هٰذا الفصل إلى جمع المذكر فقال: ﴿إِنَّمَا يُرِبدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، فلمّا جاء بالميم وأسقط النون علمنا أنّه لم يتوجّه هٰذا القول إلى المذكور الأوّل بما بيّنّاه من أصل العربية وحقيقتها، ثمّ رجع بعد ذٰلك إلى الأزواج فقال: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾.
فدلّ ذٰلك على إفراد من ذكرناه من آل محمّد (ص) بما علّقه عليهم من حكم الطهارة الموجبة للعصمة وجليل الفضيلة.
وليس يمكنكم معشر المخالفين أن تدّعوا أنّه كان في الأزواج مذكورًا رجلٌ غير النساء، وذكرٌ ليس برجلٍ فيصحّ التعلّق منكم بتغليب المذكّر على المؤنّث إذا كان في الجمع ذكرٌ، وإذا لم يمكن ادّعاء ذٰلك وبطل أن يتوجّه إلى الأزواج، فلا غير لهنّ توجّهت إليه إلّا من ذكرناه ممّن جاء فيه الأثر على ما بيّناه» [المرتضى، الفصول المختارة: 29].
9: وفاة الشيخ المفيد
لقد كان يومًا مشهودًا ومدهشًا ذٰلك اليوم الّذي رحل فيه شيخ بغداد في سنة 413 هـ. فها هي بغداد تقف خاشعةً تودّع جثمانًا ساكنًا مطمئنًّا بقضاء الله وقدره، طالما بعثت روحه في جنباتها الحركة والحياة بعلمه المتدفّق ومناظراته وسجالاته المفعمة بالنشاط والقوّة. أجل لقد خرجت بغداد بثمانين ألف مشيّعٍ ومودّعٍ في يومٍ مشهودٍ كيوم الحشر ـ كما يصفه بعض من حضره ـ من وفرة الحاضرين الّذين حضروا لوداع شيخ بغداد، من كلّ المسلمين والفرق الإسلاميّة، حتّى ضاقت بهم أكبر ساحات بغداد في (ميدان الأشنان)، ولم يُرَ يومٌ أكبر منه لشدّة زحام الناس للصلاة عليه، ومن كثرة بكاء المؤالف والمخالف [الطوسيّ، الفهرست: 187]، وقد صلّى عليه تلميذه وخليفته الشريف المرتضى، ودُفن في داره بضعة سنواتٍ، ثمّ نُقل إلى مقابر قريشٍ بجوار أستاذه أبو جعفرٍ بن قولويه ممّا يلي رجلي الإمام الجواد  في الكاظميّة. [النجاشيّ، رجال النجاشيّ: 403]
لقد رحل الشيخ المفيد ولٰكن بقيت جهوده ومدرسته معطاء خالدةً تمدّ العلماء والباحثين بفنون العلم وأنواع الثقافة والمعرفة على مدى ألف عام أو يزيد.. وانبعثت قرائح نوابغ الشعر مؤبّنةً وراثيةً ومشيدةً بمفاخره العلميّة وسجاياه الخلقيّة وهي تتفجّر لوعةً وشجنًا لفراقه.. فانطلق تلميذه المرتضى في ألفيّته الّتي يبثّ فيها لوعته، ويذّكر بمعالي أستاذه وصولاته العلميّة وأمجاده العظيمة عاذلًا على الموت مخاطبًا له:
أيّها الموت كم حططت علِيًّا *** سامي الأطراف أو جبَبْت سناما؟
فخذ اليوم من دموعي وقد كـ *** نّ جمودًا على المصاب سجاما
إنّ شيخ الإسلام والدين والعلْـ *** ـم تولّى فأزعج الإسلاما
والّذي كان غُرّةً في دُجى الأيّا *** م أودى فأوحش الأيّاما
كم جلوت الشكوك تعرض في نـ *** ـصّ وصيٍّ وكم نصرت إماما
وخصوم لُدٍّ ملأتهم بالحـ *** ـقّ في حومة الخصام خصاما
عاينوا منك مُصمِتًا ثُغرةَ النَّحْـ *** ـر وما أرسلت يداك سهاما
وشجاعًا يفري المرائر ما كـ *** ـلّ شُجاعٍ يفري الطُلى والهاما
من إذا مال جانبٌ من بناء الد *** ين كانت له يداه دعاما
من يُنير العقول من بعد ماكـ *** ـنّ هُمودًا ويُنتج الأفهاما
من يعير الصديق رأيًا إذا ما *** سلّه في الخطوب كان حساما
فامض صفرًا من العيوب فكم با *** ن رجالٌ أثروا عيوبًا وذاما؟
[ديوان الشريف المرتضى 3: 204]

قائمة المصادر
1. ابن إدريس، محمّد، مستطرفات السرائر، تحقيق محمدمهدي الخرسان، العتبةالعلويّة، 1429.
2. ابن العماد الحنبليّ، عبد الحيّ، شذرات الذهب، دار إحياء التراث، بيروت.
3. ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست، بيروت، دار المعرفة، 1997.
4. ابن حجر، أحمد، لسان الميزان، مؤسّسة الأعلميّ، ط 2، 1390، لبنان.
5. ابن داوود الحلّيّ، أبو محمّدٍ الحسن، رجال ابن داوود، النجف ، دار المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1975.
6. ابن شهرآشوب، محمّد بن عليّ، معالم العلماء، النجف، دار المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1980.
7. ابن طاووس، عليّ، سعد السعود، منشورات الرضيّ، قمّ المقدسة، 1363 ش.
8. ابن طاووس، عليّ، نفس [فرج] المهموم، منشورات الرضيّ، قمّ المقدّسة، 1363 ش.
9. الأصفهانيّ، الميرزا عبد الله، رياض العلماء وحياض الفضلاء، قمّ المقدّسة، مطبعة الخيّام، 1401 هـ.
10. آقا بزرگ تهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بيروت، دار الأضواء، 1975.
11. بحر العلوم، مهديّ، تحقيق محمّدصادق بحر العلوم، مكتبة الصادق، 1363، طهران.
12. الخوئيّ، أبو القاسم، معجم رجال الحديث، قمّ، مركز نشر الثقافة الإسلاميّة في العالم، 1372 هـ.
13. الذهبيّ، محمّد بن أحمد بن عثمان، العبر في خبر من غبر، تحقيق فؤاد سيّد، دار التراث العربيّ.
14. الطوسيّ، محمّد بن الحسن، الفهرست، إيران، مطبعة المكتبة المرتضويّة، 1376 هـ.
15. العلّامة الحلّيّ، حسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال، قمّ، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 هـ.
16. القمّيّ، عبّاس، سفينة البحار، إيران، بنياد پژوهش¬های اسلامی آستان قدس رضوی، 1375 هـ.
17. المجلسيّ، محمّدباقر، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 1413 هـ.
18. المرتضى، الفصول المختارة، المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد، بلا تأريخ.
19. المرتضى، عليّ بن الحسين بن موسى، ديوان الشريف المرتضى، دار إحياء الكتب العربيّة.
20. المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، تصحيح الاعتقاد، تحقيق حسين درگاهي، دار المفيد، 1414 هـ.
21. مؤتمر الشيخ المفيد، مجموعة المقالات والرسالات، المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد.
22. النجاشيّ، أحمد بن عليّ، رجال النجاشيّ، بيروت، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1375 هـ.
23.  اليافعيّ، عبد الله، مرآت الجنان، دار الكتب العلميّة، الطبعة الأولى، بيروت، 1997.

يمكنكم الإطلاع على العدد بشكل كامل  هنا

تحميل الكتاب

تعليقات الزوار

سميرة أحمد عبدالله
2019 February 04
الشيخ المفيد ودوره في علم الكلام
مراكز التوزيع
كربلاء المقدسة: مكتبة العتبة الحسينية المقدسة، الواقعة بين الحرمين
phone 07808512283
النجف الأشرف: شارع الرسول، مقابل بيت المرجع الديني السيد علي السيستاني، المعرض الدائم للعتبة الحسينية
phone 07704330757
البصرة: العشار، شارع الكويت فرع المطابع، المكتبة العلمية
phone 07710810106
الكوت: فرع مستشفى الولادة - العمارة الثانية - دار ومكتبة القلم
phone 07822170992
أربيل: شارع الثلاثيني - قرب منارة المظفرية - مكتبة التفسير
phone 07508180865
الكويت: بنيد القار شارع الشريف الرضي - مكتبة تدوين الفكرية - للتواصل والطلب عبر رقم الواتساب
phone 0096550699880
ايران: قم - شارع معلم - مجمع ناشران - الطابق الأرضي - رقم 45 - معرض العتبة الحسينية المقدسة
phone 00989359878748
phone 00982537842568
مصر: القاهرة - متجر همزات
phone 00201011779665
سلطنة عمان: مسقط مكتبة جبران - للتواصل والطلب عبر رقم الواتساب
phone 0096895113133
الكويت: بنيدالقار - شارع بورسعيد - مكتبة ايليا - للتواصل والطلب عبر رقم الواتساب
phone 0096555829607
المملكة العربية السعودية: الرياض - مركز السدحان - شارع موسى بن نصير - حي السليمانية. رقم الواتساب
phone 00966599139318
أخبار مختارة
سجل بريدك الإلكتروني لتتلقى أهم أخبار المؤسسة وإصداراتها

قالوا في المؤسسة

مراكز متعاونة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الدليل