برقيات بصرية ـ ياسين شامل

2022 September 05

في هذه اللوحة يقرأ الكاتب العراقي والروائي البصري ياسين شامل كتاب "لا تحجب الشمس" الذي نعته بـ "الرواية الفلسفية" قراءة فاحصة غير منفعلة امتازت إلى حد كبير بالحيادية والموضوعية بعيدا عن المجاملة أو التحيز. وقد اتسمت هذه القراءة للكتاب المذكور بالإطراء تارة والتوصيف أخرى والنقد تارة ثالثة.. فشكرا لياسين شامل على هذه الإطلالة وهذا الحضور. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قراءة في كتاب "لا تحجب الشمس" ـ ياسين شامل

ملاحظة: هذا الكاتب يعود للمؤلف الدكتور أيمن المصري - إصدار العتبة الحسينية المقدسة - ط ١ - ٢٠٢٠ م، بداية لا يوجد تجنيس لهذا الكتاب على أنه رواية، سوى الإشارة في المقدمة التي كتبها د. صالح الوائلي: "ارتأى القائمون على المؤسسة أن يصاغ هذا الحوار ضمن إطار روائي قصصي" [ص ١٠]، وبهذا يمكن أن أتعامل معها كرواية، إن صح هذا الطرح.

يمكن اعتبار رواية لا تحجب الشمس رواية فلسفية، والرواية الفلسفية وكما جاء في معجم السرديات: «هي جنس روائي فرعي، نشأ في أحضان الفلسفة الوجودية" ولنا أن نعرف أن الرواية الفلسفية تأتي بأحداثها عن بطل مأزوم غالبا، وهذا ما يتمثل في شخصية نادر في رواية "لا تحجب الشمس"».

ولدينا الكثير من الروايات التي نستطيع تصنيفها كروايات فلسفية، على سبيل المثال لا الحصر مثل "عالم صوفي"، ورواية "الغريب" لمؤلفها ألبير كامو، ورواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ وغيرها.

تطرح الرواية مواضيع فلسفية، مثل قضايا الوجود المحسوس، والوجود غير المحسوس، وإثبات الشيء أو نفيه من خلال البرهان العقلي، وغيرها.

وتتطرق الرواية إلى ذكر أفكار فلاسفة مثل: كانط، وسبينوزا، وديكارت، وابن سينا وغيرهم. ونجد الكثير من المصطلحات الفلسفية مثل "مبدأ التناقض، والعقل الأداتي، والقضايا التركيبية البعدية، وغيرها." وعلى ما أعتقد فإنها تثقل القارئ العادي.

الحوار من ممكنات السرد المهمة، وقد اعتمدت الرواية بصورة أساسية عليه، وهو يحاكي الأسلوب الشفوي - كما يقال - يستمر الحوار في الأخذ والرد، والسؤال والجواب، والحوار لا بد أن يعزز المشهد القصصي ليساهم في الحدث بصورة فعالة، ليشكل دورا مهما في البناء الروائي. ومهما كان الحوار طويلا أو عبارات قصيرة مقتضبة، فهو مهم يغني السرد، وهذه الحوارات تؤدي إلى حوارات أخرى بين شخصيتين من أجل أن يثبت كل منهما صحة رأيه، لا أنكر أن لغة الحوار راقية، وهي حوارات تطرح مواضيع فلسفية، وهذا ما نجده، والحوار في "لا تحجب الشمس" يمكن أن نستشف منه تقاطع المواقف الدائرة بين الشخصيتين الرئيستين، ويحق لنا أن نضعه في خانة الحوار الجدلي، وأسبابه كما هو معروف هي أن العلاقة متكافئة ما بين نادر وعادل، فكلاهما يحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة، ويرتقي إلى المجابهة ليعبر كل واحد منهما عن قناعته ونظرته إلى الوجود. وبحكم الصداقة العميقة، لا يتطور هذا الحوار إلى سجال مفرغ، وهذا الحوار المكتوب ما هو إلا رؤية المؤلف الفلسفية للوجود، لكنه جاء على لسان شخصيات. ولو تطور هذا الحوار إلى سجال وتهديد، لأعطى للرواية دفئا وحيوية أكثر؛ ليشد القارئ ويبقى يتطلع إلى ما ستؤول إليه الأحداث، لنجد حبكة في السرد، وتكون الرواية مدعاة للتشويق والاستمرار بالقراءة، وتجعل القارئ مسكونا بالتفاصيل يترقب النهايات والعواقب.

هذا الحوار مفعم بالتحليل ويمنح فرصة للتأمل والتفكير، وهذا يحسب لـ "لا تحجب الشمس" لا عليها، إلا أن هذا الحوار المكتوب بلغة راقية لا يعطي خطابه لكل قارئ، وإنما يراد له قارئ حساس على رأي الروائي التركي أورهان باموك، وله معرفة في الفلسفة وعلم المنطق، وهنا تأتي المفارقة في هذه الرواية وكأنها ليست موجهة لعامة الناس، ولا يمكن لأي أحد هضمها، كما نجده في روايات نجيب محفوظ التي لا تبتعد عن الواقع الاجتماعي والسياسي، على الرغم مما فيها من لمسات فلسفية. بالإضافة إلى ذلك، فأن في المساحة النصية للحوار الطويل يتوقف الحدث، كما يحدث في الوصف، واستخدام الحوار بهذه الطريقة في "لا تحجب الشمس،" ليس بصالح اعتبارها كرواية.

الحوارات المطولة التي لا تغني الحدث، بل تبعث على الملل، وتبعد القارئ العادي عن المتابعة، ومع ذلك توجد روايات تقوم على الحوار، وهذا ما نجده عند الروائية الفرنسية "مارغريت دورا"، وهي روائية بارعة في استخدام الحوار، وكذلك الروائية البريطانية "دوريس لسنغ". 

يستمر الحوار بين عادل ونادر حتى فصل "الدين فرضية أم حقيقة" ص ٣٥٧، يميل نادر نحو تغيير أفكاره، وبعدها "تغير وأضحى مؤمنا متعقلا" ص ٣٨١، وفي فصل "دين بلا عقل!" ص ٣٨١، يبدأ عادل الحوار مع رشا، وهو يريدها أن تتحلى بالموضوعية بعيدا عن التعصب، "لأن الموضوعية من أخلاق المؤمن العاقل" ص ٣٩٣، فإذا كان الحوار بين عادل ونادر يدور حول الإيمان والإلحاد، فإن الحوار بين عادل ورشا يدور حول عدم التعصب الشديد.

تقوم فكرة "لا تحجب الشمس" على ثنائية "الإلحاد والإيمان"، ومن خلال سير الأحداث نعرف أن نادرا سافر إلى الخارج لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة، وإقامته هناك أثرت على فكره كثيرا، في بلاد الثلوج حيث الحرية التي تكاد أن تكون مطلقة، في واقع اجتماعي غربي، يختلف جذريا عن الواقع الشرقي، فقد عاش في عالم يختلف عن عالمه الأصل بالعادات والتقاليد والأعراف والثقافات، بينما يبقى عادل يستمد المعرفة في نفس البيئة في مجتمعه بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، وعند اللقاء بينهما نجد نادرا الذي عاد من بلاد الغرب قد طاله التغيير في كل شيء، حتى في شكله، بينما احتفظ عادل بسلوكه وطريقة تعامله.

لعل الرؤية هنا تقوم على البحث عن الحقيقة والكفاح "من أجل رؤية واقعية معتدلة" ص ٣٦ "ويكون الوصول إليها ورفض المصادرات والمسلمات من دون دليل منطقي" ص ٣٧ ما بين فكر نادر وعادل في ثنائية الإلحاد والإيمان.

ثم تميل الكفة لعادل الذي يؤمن بلغة الحوار الموضوعي، كي يصل إلى الحقيقة بعيدا عن التعصب "حوار الإنسان مع أخية الإنسان" ص ٤٥ حتى تنجح مساعي عادل في إعادة رشا ونادر إلى بعضهما.

أعتقد أن رؤية الكاتب هي التي طغت على شخصية عادل، ليعطي رأيه من خلال هذه الشخصية المهمة، كان بودي أن تكون الشخصية هي التي تعبر عن نفسها في الفضاء الروائي والبناء الفني للأحداث في الزمان والمكان، لتوفر حالة الاقناع لدى المتلقي، ويصل خطابها بصورة سهلة سلسة.

وأخيرا، الأمر الذي أريد أن أقوله، إنه كتاب فلسفي جيد، معد للنخبة، الذين لديهم معرفة بالفلسفة، ويدافع هذا الكتاب عن رؤية فلسفية وهي الإيمان، وعدم التعصب الشديد، ويسعى إلى ترسيخها، والابتعاد عن الإلحاد، لكنه لا يرقى أن يكون رواية يحقق قراءة عامة واسعة، وذلك لصعوبة الطرح، وعدم تكامل ممكنات السرد في البناء الروائي.

ياسين شامل

البصرة - ١٨ آب ٢٠٢٢ م

شاهد الخبر في رابط التالي:

https://aldaleel-inst.com/6599