المقدمة
تعدّ المنظومة الفكريّة العقديّة الّتي يحملها الإنسان من أهمّ دعائم شخصيّته وتميّزه البشريّ؛ فهي الّتي تحدّد مساره السلوكيّ وطبيعة تعاطيه مع محيطه ونمط الحياة الّتي يعيشها، بل تحدّد مصيره الوجوديّ بأكمله - هٰذا على صعيد الفرد - وأمّا على صعيد المجتمع فإنّ المنظومة الفكريّة العقديّة تحدّد طبيعة العلاقات والتعامل بين أفراده من جهةٍ، وبينه وبين سائر المجتمعات من جهةٍ أخرى، وهي ما يحدّد نوع النظم (السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة) الّتي تحكم تلك العلاقات والتعاملات؛ فالمنظومة العقديّة إذن تحدّد مكانة هٰذا المجتمع في سلّم المجتمعات البشريّة.
والمنظومة العقديّة للإنسان هي بمثابة الجذر والمقتضي للمنطلقات السلوكيّة كافّةً؛ لأنّ سنخيّة الأفكار العقديّة تفرض - بطبيعة الحال - نمط النظام الفكريّ العمليّ (الآيديولوجيّ) للسلوك الإنسانيّ؛ فالإنسان في سلوكيّاته يستهدف تحقيق غاياتٍ تنسجم ورؤيته للواقع - أعني الرؤية الكونيّة وبنحوٍ أخصّ الرؤية العقديّة - والسبب هو أنّ سعي الإنسان الحقيقيّ إنّما يكون لطلب سعادته الوجوديّة الّتي لا تتحقّق إلّا من خلال تحصيل المنافع الواقعيّة ودفع المضارّ كذٰلك.
وممّا لا شكّ فيه أنّ تشخيص مناط وملاك النفع والضرر عند الإنسان يعود إلى رؤيته العقديّة للواقع، فمن يعتقد أنّ الواقع لا يتجاوز حدود المادّة لا يمكن أن يتصوّر المنافع والمضارّ إلّا ضمن هٰذه الحدود، بل إنّه يعدّ كلّ ما وراءها ضربًا من الوهم والخرافة، ولذٰلك فإنّ صاحب هٰذه الرؤية يبحث عن قوانين الطبيعة وحسب؛ لكي يستثمرها ويوظّفها لتحقيق منافعه المادّيّة ودفع المضارّ المادّيّة عنه.
بيد أنّ من يعتقد تجاوز الواقع حدود المادّة، وأنّ كلّ منافع عالم المادّة ومضارّه لا تعني شيئًا بالقياس إلى ما وراءه، فلا شكّ أن نظره سوف يمتدّ إلى ما وراء ذٰلك الأفق؛ ممّا يضطره إلى التخلّي عن جملةٍ من المنافع المادّيّة الضيّقة؛ من أجل الحصول على منافع معنويّةٍ عظيمةٍ لا حدود لها ولا زوال، ويدفع مضارّ مهولةً لا انتهاء لها، وكلّ هٰذا ينعكس - في الواقع - على المنظومته السلوكيّة والأخلاقيّة، وطبيعة تعاطيه مع من حوله.
كما أنّ الرؤية العقديّة الاجتماعيّة تصنّف المجتمع وأولويّاته ونتاجاته، فلا يتوقّع من المجتمع الّذي يعيش في ظلّ منظومةٍ فكريّةٍ متهرئةٍ تتشكّل من خرافاتٍ وأساطير وأوهامٍ أن يسلك سلوكًا حضاريًّا في تعاطيه مع المجتمعات الأخرى، ولا يمكن أن تتّسم مواقفه بالعقلانيّة، ولا ينتظر منه أن يضيف شيئًا ذا قيمةٍ إلى المنتج البشريّ.
وكذا الحال في من بنى منظومته الفكريّة وفق الرؤية المادّيّة، فليس بإمكانه تجاوز هٰذا الإطار في تحديد أهدافه ورسم استراتيجيّاته، ومن البدهيّ أنّها ستلقي بظلالها على رؤيته السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وتصطبغ بلونها وتتأطّر بأطرها، ويستبعد - في المحصّلة - أن ينتج لنا هٰذا النوع من الرؤى ممارساتٍ حياتيّةً وسلوكيّاتٍ ذات طابعٍ أخلاقيٍّ وقيميٍّ سليمٍ تنسجم مع مبادئ الإنسانيّة وقيم الأديان السماويّة العليا، وفيما لو تراءى ثمّة تعاملٌ إنسانيٌّ وأخلاقيٌّ في بعض المجتمعات ذات الصبغة المادّيّة، فمن المؤكّد أنّ منشأه يعود إلى نزعةٍ إنسانيّةٍ إيمانيّةٍ راكزةٍ، جذرها الفكريّ يعبر حدود عالم المادّة؛ أو إلى كون هٰذا التعامل الإنسانيّ يؤمّن لهم مصالح مادّيّةً معيّنةً.
من هنا نعتقد أنّ العامل الرئيسيّ الّذي يقف وراء الأنشطة والسلوكيّات البشريّة كافّةً، هو العامل الفكريّ، خصوصًا المنظومة العقديّة الّتي يحملها الإنسان، من أيّ طريقٍ تشكّلت. ومتى ما صلحت المنظومة العقديّة للفرد والمجتمع وكانت منسجمةً مع الواقع، فإنّ سلوكيّاته تسير وفقها في الانتظام، وتشدّه في حركةٍ تصاعديّةٍ نحو كماله المنشود، ومتى ما كانت تلك المنظومة هزيلةً ومرتبكةً فإنّ السلوكيّات تكون على شاكلتها ومن سنخها، فلا تنتج إلّا مزيدًا من الفوضى والفساد، ولا تخلّف إلّا الاضطراب والضياع.
فالفكر العقديّ هو الرافد الّذي تتدفّق عنه حياة الإنسان بكلّ صورها وأشكالها، وهو المفتاح الّذي تفتح به مغاليق الكون والوجود، وهو الأداة الّتي تتحكّم بسلوكيّات الإنسان ومواقفه، فالفكر العقديّ بمثابة المقتضي للدوافع الّتي تقف وراء سلوكيّات الإنسان وممارساته كافّةً.
وهٰذا ما يفسّر اهتمام المصلحين وعنايتهم الفائقة بالمجال الفكريّ العقديّ للإنسان، فالمتتبّع لتاريخهم - سيّما تاريخ الرسل والأنبياء وما ورد في صحفهم - يرى بوضوحٍ هٰذا الاهتمام والعناية، وأنّهم ركّزوا في حركتهم الإصلاحيّة وخطاباتهم على تشكيل المنظومة العقديّة وتنميتها، أكثر من تركيزهم على أيّ مجالٍ آخر.
ومن جهةٍ أخرى استغلّ المفسدون والسلطويّون عامل الإفساد العقديّ كسلاحٍ لتحقيق مآربهم وأطماعهم الدنيئة، فوظّفوا أدواتهم من وعّاظ سلاطين وأقلامٍ رخيصةٍ ووسائل إعلامٍ مأجورةٍ؛ لرسم عقيدة المحكومين في ظلّ سياسة الهيمنة على مقدّرات الشعوب واستغلال ثرواتهم، واستدامة ملكهم على رقاب الناس، فما فتئوا عن استخدام سلاح الاختلافات الفكريّة، والعمل على توجيه أنظار الناس إلى نقاط الاختلاف والتعمية على نقاط الاشتراك؛ لإذكاء الفتن بين الأطراف المتخالفة، من أجل تفتيت وحدتهم وكسر شوكتهم وإضعاف عزيمتهم؛ وإخماد أيّ ثورةٍ أو حراكٍ يهدف إلى التغيير، ومن أجل السيطرة على مشاعرهم والتحكّم في مواقفهم وإخضاعهم لسلطتهم.
من هنا ينبغي لنا بوصفنا متصدّين للشأن الفكريّ الدينيّ أن نعطي هٰذا العامل اهتمامًا كبيرًا، وأن يكون في أعلى سلّم أولويّات مشاريعنا الفكريّة الّتي نسعى لتنفيذها، وعلينا أن نرسم استراتيجيّةً مدروسةً لتنفيذ هٰذا المشروع المهمّ الّذي يقع ضمن وظائفنا كطلبة علومٍ دينيّةٍ؛ لنتمكّن من خلاله من ترسيخ ونشر ما نعتقد أحقّيّته - وأعني العقيدة الإسلاميّة وفق رؤية مدرسة أهل البيت الامتداد الطبيعيّ لنبيّ الإسلام محمّدٍ - كما ينبغي أن نجتهد في طرح هٰذه الرؤية ضمن صياغةٍ معاصرةٍ رصينةٍ، تتناسب ومستوى عراقة وأصالة مدرسة أهل البيت، مستفيدين من معطيات العقل والنصوص الدينيّة المعتبرة مقطوعة الدلالة، مع قرائنها العقليّة والعرفيّة، وكذٰلك من وسائل الإثبات المعتمدة الأخرى.
فكرة المشروع:
المشروع هو نهضةٌ فكريّةٌ في مجال العقيدة، تهدف إلى بناء وإعادة تأهيل المنظومة العقديّة للفرد والمجتمع وفق الرؤية الإسلاميّة لمدرسة أهل البيت، كما وتهدف إلى تحقيق الحصانة الفكريّة من خلال خلق القدرة الذاتيّة على مواجهة الظواهر والمتغيّرات الثقافيّة الطارئة، من خلال التركيز على عامل التربية الفكريّة للفئات كافّةً وبأساليب مختلفةٍ، وسيتمّ تنفيذ هٰذا المشروع ضمن استراتيجيّةٍ تعتمد أسسًا ومنطلقاتٍ علميّةً، وتركّز على تفعيل دور العقل باعتباره الأداة المعرفيّة الّتي وهبها الله - تعالى - لنا؛ ليمكننا من التمييز بين مبادئ الحقّ والباطل في المعتقدات وبين مبادئ الخير والشرّ في الأفعال والسلوكيّات.
كما ويهدف المشروع إلى رفع مستوى الوعي العاطفيّ الدينيّ بما يخدم الرؤية العقديّة الحقّة، وفق آلياتٍ تمّ تحديدها في متن المشروع.
ومن ضمن الأهداف المهمّة الّتي يسعى المشروع إلى تحقيقها نشر العقيدة الإسلاميّة الحقّة في أرجاء العالم بصياغةٍ معاصرةٍ مستساغةٍ، محاولين بذٰلك الكشف عن وجه عقلانيّة هٰذا الفكر وانسجامه مع الواقع والفطرة الإنسانيّة، وفي الوقت ذاته نسعى إلى محو وإزالة الصورة المشوّهة الّتي رسمتها أيدي المغرضين والضالّين والجهلة عن إسلامنا المحمّديّ الأصيل.
مبرّرات المشروع:
هناك جملةٌ من الأمور الداعية لتبنّي هٰذا المشروع وإرساء قواعده على أرض الواقع، منها:
أوّلًا: ضعف وهشاشة البنية العقديّة لدى عموم المجتمع المسلم، وهٰذا الضعف ناتجٌ من عوامل متعدّدةٍ، من أهمّها:
أ ـ السياسات الظالمة: فقد تعرضت مجتمعاتنا إلى سياساتٍ ظالمةٍ عملت على تزييف الفكر الإسلاميّ في أذهان الناس من خلال جملة أساليب وممارساتٍ مختلفةٍ، كاعتماد سياسة التجهيل والتضليل، ومحاصرة رموز المجتمع من مفكريّن وقادةٍ دينيّين، بل وتصفيتهم جسديًّا - إن تطلّب الأمر ذٰلك - وتكميم أفواه النخب المثقّفة بكلّ الطرق الاستبداديّة، وصنع بدائل زائفةٍ ونصب مرجعيّاتٍ هزيلةٍ مهمّتها تبرير ممارسات السلطة وشرعنتها، وتوظيف أقلامٍ مأجورةٍ تعمل على ترويج الأفكار الضالّة والمنحرفة الّتي تتماشى وتوجّهات سلطة الحاكمين، وتسعى لتغييب الحقائق والتعمية على المرجعيّات والرموز الحقيقيّة.
ب ـ الاستعمار التعليميّ: من خلال هيمنة منظمة (اليونسكو) العالمية على القرار التعليميّ في العالم، وتولّيها مهمّة تحديد المناهج التعليميّة ضمن أطرٍ خاصّةٍ، وقد أدّى هٰذا إلى تدهور المنظومة العقديّة الدينيّة في المجتمع عمومًا، فهٰذه المنظّمة لا تؤمن بغير الحسّ والتجربة مبدأً وطريقًا للمعرفة الواقعيّة؛ لذا فإنّها تعمل على ترويج النزعة الوضعيّة المسخّفة للحقائق الوجوديّة غير المحسوسة، الأمر الّذي سلب المناهج المعرفيّة الأخرى فاعليّتها وقيمتها عند المتعلّمين.
وقد حاولت الحكومات في العالم الإسلاميّ تدارك الموقف لحفظ ثقافة المجتمع الدينيّة، من خلال إقحام مادّة التربية الدينيّة ضمن مفردات التعليم، بيد أنّ الوضع ازداد سوءًا بسبب هزالة الطرح، والرؤية المشوّشة للدين من خلال ما تضمّنته هٰذه المادّة. ولم توضع هٰذه المادّة وفق منهجٍ معرفيٍّ علميٍّ رصينٍ، بل اقتصر على أسلوب التلقين من خلال النصوص الدينيّة غير المدعّمة بأيّ استدلالٍ منطقيٍّ أو علميٍّ، وبالتالي أصبح الدين في الدراسات الأكاديميّة مادّةً تشكّل عبئًا ثقيلًا على المتعلّمين، وتدعو للضجر والملل، وقد تركت في أذهانهم انطباعًا خاطئًا عن الدين، فقد فهموا الدين أنّه مجرّد إرثٍ اجتماعيٍّ يشتمل على طقوسٍ وممارساتٍ فلكلوريّةٍ، ويشتمل على مجموعة قصصٍ ومواعظ وإرشاداتٍ الهدف منها جعل السلوك الفرديّ والاجتماعيّ على نمطٍ معيّنٍ، والمحصّلة ألّا جدوى من الدين في الحياة العمليّة!
وليس من المستبعد أنّ عمليّة إقحام الدين بهٰذه الطريقة تقف وراءها دوائر مشبوهةٌ غرضها الانتقاص من الدين وإضعافه، والقضاء على الشعور الدينيّ لدى المتعلّمين، وطمس الهوية الدينيّة لمجتمعاتنا؛ تمهيدًا لعمليّة استعمارٍ فكريٍّ شاملٍ، هو أخطر أشكال الاستعمار؛ لأنّه يستعبد عقول الناس لا أبدانهم.
إنّ تكريس المنهج الحسّيّ في عقول أبنائنا المتعلّمين وإغفال المناهج الأخرى - سيّما المنهج العقليّ - وافتعال جدليّة العلم والعقل، أو العلم والدين، هو ما جعل ذهنيّة المتعلّمين لا تستسيغ فكرة الدين، ولا تتعاطى مع مسائل ما وراء الطبيعة على أنّها حقائق علميّةٌ، فأصبحت مفردة العلم في العرف الأكاديميّ تساوق المعطيات الحسّية والتجريبة حصرًا؛ ممّا خلق فجوةً كبيرةً بين الواقع العلميّ والدين في أذهان المتعلّمين.
ومن هنا فإنّ المتعلّم في المدارس الأكاديمية لا يجد - حسب ما تعلّمه في تلك المدارس - أيّ صفةٍ علميّةٍ لمعطيات العقل والدين، بل يرى أنّها نتائج متمرّدةٌ على القانون العلميّ (منهج الحسّ والتجربة) ومتعاليةٌ عليه، وهٰذا ما جعل الأكاديميّ في المجتمعات المتديّنة يعيش أزمة المنهج في الموروث الدينيّ، فغاية ما يستطيع فعله إيجابيًّا احتضان الثقافة الدينيّة بطريقةٍ دراماتيكيّةٍ، كونها تمثّل إرث الآباء والأجداد، كما ويتلقّى الطقوس والممارسات الدينيّة كنوعٍ من الفلكلور الشعبيّ بمؤثّرات العقل الجمعيّ، ومتى ما تغيّرت الظروف وثقل الكاهل، يكون الدين أوّل المتغيّرات وأوّل حملٍ يلقى على قارعة الطريق.
وقد أنتجت لنا هٰذه الأزمة اتّجاهاتٍ فكريّةً مختلفةً في الوسط الدينيّ، فهنالك من يعيش حالة الازدواجيّة الفكريّة والتذبذب بين المنهج والمعتقد، وهناك من طغت عليه حالة الاستسلام والتبعيّة للنموذج الغربيّ والتمرّد على التراث الدينيّ بكلّ أشكاله، وهنالك من أوصد الباب أمام معطيات العلم كافّةً واتّخذ سبيل السلفيّة طريقًا، وغلّف العقل بالفهم العرفيّ الساذج للنصوص الدينيّة، وفضّل الانكفاء على المورث الدينيّ بكلّ ما فيه من غثٍّ وسمينٍ.
والّذي يقف وراء هٰذا الإرباك المعرفيّ في فهم الحقيقة هو فقدان انسجام الرؤية العقديّة - الّتي تحظى بقدسيّةٍ في المنظور الاجتماعيّ - مع المنهج الحسّيّ التجريبيّ الّذي رافق مسيرة الأكاديميّ التعليميّة طيلة حياته.
ج ـ غياب المشروع الفكريّ للإسلام المحمّديّ الأصيل: لا يخفى أنّ رسول الإسلام (ص) جاء للبشريّة بمشروعٍ فكريٍّ منسجمٍ ومتكاملٍ، وقد حمل هٰذا المشروع المؤمنون به حقًّا، وكان على رأسهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ، والأئمّة الهداة من بعده، ومن سار على هديهم ونهجهم من أخيار الصحابة والتابعين.
بيد أنّ السلطة الّتي حكمت المجتمع الإسلاميّ بعد وفاة الرسول الأكرم | أهملت هٰذا المشروع الفكريّ العظيم - جهلاً أو عمدًا - وحلّ محلّه المشروع العسكريّ التوسّعيّ، فكان التوجّه العامّ للسلطة هو زيادة الموارد الماليّة للدولة، والاستحواذ على الممتلكات والمقاطعات، من دون أن يكون إلى جانب ذٰلك اهتمامٌ بالرؤية العقديّة الإسلاميّة، إلّا بمقدار ما يحقّق الشعار العامّ للإسلام، وقد حاول أمير المؤمنينإبّان فترة حكمه القصيرة استعادة مكانة المجتمع الإسلاميّ إلى سابق عهده أيّام رسول الله، فبعد أن وأد الفتنة في حروبه الثلاث أعطى مساحةً واسعةً للاهتمام بالناحية الفكريّة، وترسيخ المفاهيم والقيم الإسلاميّة، وهٰذا واضحٌ لكلّ من قرأ خطبه في نهج البلاغة، غير أنّ أصحاب المشروع السلطويّ العسكريّ لم يمهلوه، فكانت النتيجة اغتياله في محراب صلاته ليقضي شهيدًا.
وقد استمرّ غياب المشروع الفكريّ إلى يومنا هٰذا، بالرغم من الجهود الّتي بذلها الأئمّة وعلماء الإسلام المخلصين في سبيل استعادته، بيد أنّ قمع السلطات الحاكمة والتشويش الّذي اعتمدته أجهزتها حال دون تحقيق ذٰلك، ولا زال المجتمع الإسلاميّ في تقهقرٍ فكريٍّ رهيبٍ، يصاحبه انحدارٌ سحيقٌ في المجالات السلوكيّة كافّةً، سواءٌ الفرديّة منها أم الاجتماعيّة.
د ـ الفوضى الفكريّة المفتعلة: لا يخفى على المتابع ما تشهده ساحتنا الفكريّة والثقافيّة من غيابٍ أو تغييبٍ تامٍّ للمعايير الفكريّة، واختلالٍ في الموازين العلميّة في التعاطي مع الفكر العقديّ الدينيّ والرؤى الكونيّة، واعتبار المناهج الّتي تعتمد العقل في إثبات مسائلها من الأمور المرتبطة بالماضي السحيق الّذي ينبغي مغادرته، فتصوّر للمتلقّي على أنّها آليّاتٌ عفا عليها الدهر - وبهٰذا تُقدَّم صورةٌ مشوّهةٌ حول فكرة الدين وعالم ما وراء الطبيعة - وأنّها إلى الخرافة أقرب منها إلى الحقيقة، وفي المحصلة يصبح المتلّقي بين خيارين إمّا قبول الدين الّذي توارثه من آبائه وأجداده، فيعدّ سلوكه خروج عن إطار العلم، فيرمى بالتخلّف والخرافة، أو يقبل العلم ولازمه أن لا يعتمد غير الحسّ والتجربة وسيلةً للمعرفة، فينتهي إلى ضرورة التخلّي عن الدين.
ثانيًا: الماكنات الإعلاميّة الضخمة الّتي تمارس عملية تشويشٍ فكريٍّ مستمرٍّ، وزرع الأفكار المنحرفة الداعية إلى التسافل والانحطاط الخلقيّ والقيميّ، والترويج للتيّارات المناهضة للفكر الإسلاميّ الأصيل، معتمدين على ما يمتلكونه من وسائل التطوّر التكنولوجيّ في المجال السمعيّ والبصريّ والمقروء، من شبكات تلفزةٍ وإذاعاتٍ ومطبوعاتٍ، ووسائل الاتّصال السريع (الإنترنت)، وإنشاء مراكز إعلاميّةٍ في بلداننا تحت عنوان مؤسّسات المجتمع المدنيّ الّتي تقوم بمهمّة نشر الفكر المناوئ وبثّ الإشاعات المغرضة؛ هٰذا وغيره ممّا يطول الحديث عنه مكّنهم من اختراق المنظومة الفكريّة لمجتمعاتنا، والاستحواذ على عقول الكثير من شبابنا المثقّف بيسرٍ وسهولةٍ، فاليوم أصبح العالم - بوجود هٰذه الوسائل - متداخلًا إلى حدٍّ كبيرٍ، كقريةٍ واحدةٍ كما يعبّرون، وليس ثمّة مكانٌ آمنٌ من الرواشح الفكريّة!
ثالثًا: تنامي الظواهر الفكريّة الطارئة على ساحتنا الفكريّة، لا سيّما ظاهرة الإلحاد واللا دينيّة الّتي أخذت بالانتشار السريع في السنوات الأخيرة، والّتي يتمّ الترويج لها بوسائل مختلفةٍ، فهناك مؤسّساتٌ تعمل ليل نهارٍ على نشر هٰذه الظاهرة، من خلال إنشاء مواقع إلكترونيّةٍ وقنواتٍ تلفازيّةٍ، ومقاطع فديويّةٍ تنشر في الإنترنت، وتأليف الكتب وإصدار المجلّات، وترجماتٍ ضخمةٍ لما يكتب باللغات الأخرى.
وتكمن خطورة هٰذه الظاهرة في أنّها تستغلّ انجذاب الشباب إلى العلم والمعرفة، فتطرح مسألة الإلٰه والدين على أنّها مناقضةٌ للعلم والمعرفة؛ ممّا يولّد لديهم نفورًا وإحجامًا عن الالتزام الدينيّ، وتوجّهًا إلى الإلحاد أو التعاطف معه، ولدينا متابعاتٌ لهٰذه الظاهرة، ونشعر أنّ الوضع يحتاج إلى وقفةٍ جدّيّةٍ، فخطورة الواقع الفكريّ يستدعي منّا أن نسخّر كلّ ما نمتلك من إمكانيّاتٍ علميّةٍ ومادّيّةٍ وإعلاميّةٍ؛ عسى أن نوفّق لإنقاذ الموقف.
رابعًا: ضعف عامل المقاومة لدى الذهنيّة الفرديّة والمجتمعيّة لمواجهة الهجمة الثقافيّة الشرسة، ناجمٌ عن فقدان المنهج، أو ضبابيّته في تبنّي الرؤى العقديّة.
خامسًا: عدم توفّر مشاريع واستراتيجيّاتٍ جادّةٍ للنهوض بالواقع الفكريّ، وعدم طرح معالجاتٍ بمستوى التحدّيات الكبيرة الّتي يمرّ بها واقعنا الفكريّ والثقافيّ. نعم هناك محاولاتٌ، بيد أنّها لا ترقى لمستوى ما يحصل، ولا تمتلك مؤهّلاتٍ كافيةً لخوض معركةٍ بهذا الحجم، والكثير من المؤسّسات الإسلاميّة الّتي تعنى بالجانب الفكريّ تأخذ نمط تحقيق التراث، وهي في غفلةٍ عن هذا الخطر المحدق، وفي الأعم الأغلب ليس في سلّم أولويّاتها غير الصراعات الطائفيّة والمذهبيّة.
سادسًا: غياب الرقابة والرصد للظواهر الفكريّة وما يطبع وما ينشر من كتبٍ وأفكارٍ، وعدم وجود قاعدة بياناتٍ للمستوى التعليميّ والثقافيّ للمجتمع ضمن جغرافيا العراق، ولا تتوفّر دراساتٌ موضوعيّةٌ خاصّةٌ لمنشإ هذه الظواهر وسبب تناميها في مجتمعاتنا.
ومن هنا مسّت الحاجة إلى أن نكتب استراتيجيّةً جديدةً، آملين أن نكون قد وفّقنا فيها، على أنّنا سوف نعيد النظر فيها كلّما توفّرت لنا دراساتٌ أكثر دقّةً حول الواقع الموضوعيّ للساحة الفكريّة والثقافيّة.
استراتيجيّة المشروع
إذا أردنا رسم استراتيجيّة أيّ مشروعٍ، فلا بدّ من تحدّيد رؤية المشروع والأهداف الّتي يراد تحقيقها بالدقّة، ومن ثمّ دراسة الواقع من جهة مستوى التحدّيات، ومستوى الإمكانيّات، وبعدها يتمّ إعداد الخطّة بناءً على تلك المعطيات والأهداف الّتي يرام الوصول إليها، وأخيرًا يأتي تحديد آليّات التنفيذ، وعلى هذا فإنّ استراتيجيّتنا تقوم على العناصر الأربعة التالية:
العنصر الأوّل: الرؤية وتحديد الأهداف:
أوّلًا: رؤية المشروع:
الرؤية الّتي نتطلّع لتحقيقها تتمثّل في تبنّي المجتمع الإنسانيّ عمومًا عقيدة الإسلام الحقّة الّتي نادى بها الرسول الأعظم | وأهل بيته، والّتي تدركها الفطرة الإنسانيّة، ويقرّها العقل البرهانيّ.
ثانيا: أهداف المشروع:
لا شكّ أنّ تحديد الأهداف وطبيعتها يفرض نوع المسار الموصل إليها، والآليّات الصالحة لتحقيقها، وفي مشروعنا هذا لدينا هدفٌ أساسيٌّ وهو إيجاد السبل الكفيلة والقادرة على تأمين الفكر العقديّ وفق مدرسة أهل البيت، وإبقائه نابضًا بالحياة وفاعلًا في أذهان الناس دون تشويشٍ؛ إذ إنّ الفكر العقديّ هو الّذي ترتكز عليه السلوكيّات الحياتيّة كافّةً، ومتى ما كانت العقيدة تسير وفق الرؤية الواقعيّة فإنّها تكون ضمانًا لاستقامة الفرد والمجتمع وتماسكه ومتانة نسيجه، فوحدة المجتمع مرهونةٌ ببقاء الفكر العقديّ حيًّا نابضًا في عقول الناس.
وهناك أهدافٌ تنضوي تحت الهدف الأساس ويمكن تحديدها ضمن النقاط التالية:
الخروج من الفوضى في مرحلة التفكير؛ لتحقيق مستوًى من الحصانة الفكريّة والقدرة على مواجهة المتغيرات الفكريّة والتيّارات الطارئة، من خلال تسليط الضوء على القواعد والملاكات الطبيعيّة في عملية التفكير الموصل إلى بناء الرؤية الكونيّة المتّسقة الحقّة.
تحقيق الاستقرار العقديّ في ذهنية الفرد والمجتمع، من خلال إعادة تأهيل وتأصيل العقيدة، وبناء منظومةٍ فكريّةٍ عقديّةٍ متماسكةٍ، منسجمةٍ مع الواقع والفطرة وخاليةٍ من الثغرات، وتلك هي عقيدة الإسلام الأصيل وفق رؤية أهل البيت.
جعل العقيدة الحقّة مادّةً علميّةً تدرّس في المراكز التعليميّة الأكاديميّة منها والحوزيّة.
نشر العقيدة الحقّة في أرجاء العالم، من خلال تقديم صورةٍ منطقيّةٍ سليمةٍ عن الفكر الإسلاميّ الأصيل، وبيان مدى واقعيّته وانسجامه مع حاجات الإنسان وتطلّعاته.
الحدّ من تنامي الأفكار الضالّة ومواجهة المشاريع المشبوهة والمنحرفة الّتي تنخر في الوسط الفكريّ والثقافيّ.
العنصر الثاني: الواقع
والمطلوب في هذا العنصر بيان حجم التحدّيات والأزمات الفكريّة، ومدى القدرة والإمكانيّات المتوفّرة لدينا على المواجهة.
أوّلًا: التحدّيات والأزمات:
لا شكّ أنّنا بحاجةٍ إلى رصدٍ ودراسةٍ شاملةٍ للواقع الفكريّ والثقافيّ؛ لمعرفة حجم التحدّيات والأزمات على نحو الدقّة، ومن هنا ندعو إلى تفعيل مشروع (رسم الخريطة الثقافيّة في العراق).
بيد أنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، فإنّنا من خلال الرصد والمتابعة بالإمكانيّات المتاحة تبيّن أنّ هناك جملةً من التحدّيات على الصعيد الداخليّ والخارجيّ تواجه تحقيق المشروع الفكريّ، وينبغي أخذها بعين الاعتبار، وهي على قسمين:
1. التحدّيات الداخليّة:
التحدّيات الداخليّة الّتي توجه مشروعنا جدّ كثيرةٍ، لعلّ أبرزها:
أ ـ المستوى الثقافيّ للمجتمع
إنّ المتتبّع للواقع الثقافيّ يرى بوضوحٍ انخفاض المستويات الثقافيّة في مجتمعاتنا، فلم تعد المكتبات العامّة كسابق عهدها تستهوي قرّاءها المتعطّشين للمعرفة، ولا المحافل العلميّة والثقافيّة تستقطب حضّارها المتطلّعين للثقافة والأدب، فقد ضعف إقبال الناس على مطالعة المطبوعات بكلّ أشكالها، وفقدوا الرغبة في الإنصات إلى المنابر الفكريّة والثقافيّة، وأصبحوا حبيسي المؤثّرات السمعيّة والبصريّة من شاشات التلفاز والهواتف الحديثة، والألعاب الإلكترونيّة والإنترنت والتواصل الاجتماعيّ الحديث ووسائله المختلفة؛ الأمر الّذي خلق فاصلةً كبيرةً يصعب معها التواصل الفعّال مع الناس، وبالتالي نحتاج إلى قدرٍ كبيرٍ من عوامل الجذب، والعمل على ابتكار آليّاتٍ ووسائل مؤثّرةٍ تستهوي الأنظار والأسماع؛ حتّى يمكن أن نؤمّن من خلالها الأجواء المناسبة لإيصال الفكر العقديّ الحقّ وضمان تفاعل الناس معه، وهذا ما يتكفّله مشروعنا في جانبه الإعلاميّ.
ب ـ المستوى التعليميّ للمجتمع
لا يخفى أنّ المستوى التعليميّ لعموم مجتمعنا في حالة تدهورٍ، فهناك تصاعدٌ في نسبة الأمّيّة والجهل، وانخفاضٌ في المستوى العلميّ بالنسبة للطلّاب، والنتائج المتدنّية للامتحانات الوزاريّة في السنوات الأخيرة خير شاهدٍ على ذلك، وهذا يرجع إلى جملةٍ من العوامل والأسباب الخارجيّة والداخليّة، والّتي تقدّم الإشارة إلى بعضها. وفي المحصّلة نرى أنّ انخفاض مستوى التعليم سيكون عائقًا كبيرًا أمام النهوض بالواقع الفكريّ العقديّ عند المتعلّمين؛ من هنا ينبغي أن تقوم شعبة التعليم في المؤسّسة وبالتعاون مع المؤسّسات التعليميّة في العراق بدراسة هذه المشكلة، ومحاولة إيجاد حلولٍ لها، علمًا أنّ لنا رؤيةً واستراتيجيّةً طويلة الأمد في كيفيّة الخروج من الأزمة في مجال التعليم الدينيّ.
ج ـ أزمة التفكير
تعاني عمليّة التفكير لدى أغلب الناس من إرباكٍ بسبب وقوعها تحت تأثير الركام الثقافيّ الموروث، الأمر الّذي ينعكس على مجمل العمليّات الفكريّة وما تنتجه من فكرٍ.
ولا شكّ أنّ الله - تعالى - خلق الإنسان وأودع فيه القدرة على التفكير ضمن قانونٍ فطريٍّ، بيد أنّ الموروث الثقافيّ الّذي ينشأ عليه الإنسان من محيطه الأسريّ والاجتماعيّ يجعله في دائرةٍ صارمةٍ يصعب عليه تخطّي حدودها، بحيث يجعله يفقد بوصلة التفكير ضمن القانون الفطريّ المودع من قبل الله تعالى، فتجد أنّ كثيرًا من الناس يعاند الحقّ مع شدّة وضوحه؛ لأنّه يصطدم مع مسلّماتٍ توارثها من الآباء والأجداد، قال - تعالى - في وصف هذا النمط من الناس: <وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ> [سورة البقرة: 170].
لذا تعدّ العمليّة التفكيريّة الحجر الأساس في عملية التغيير والإصلاح الفكريّ والسلوكيّ، فينبغي العمل على إصلاحها مقدّمةً لتقبّل العقائد الحقّة، وهذا ممّا يتكفّله مشروعنا إن شاء الله - تعالى - ضمن مجال (التربية الفكريّة).
د ـ القراءة الخاطئة للفكر الإسلاميّ
لا شكّ أنّ هناك إفراطًا وتفريطًا في التعاطي مع الفكر الإسلاميّ الّذي جاء به الرسول الأكرم وأهل بيته الكرام، وبطبيعة الحال فإنّ كلّ صاحب قراءةٍ يرى أنّه على صوابٍ، وأنّ غيره على خطإٍ، وهذا ما يحول دون الوصول إلى أفقٍ مشتركٍ يتمّ التفاهم على ضوئه، وهذا يحتّم علينا أن ننطلق من أسسٍ عقليّةٍ مشتركةٍ لا تختلف ولا تتخلّف عند كلّ إنسانٍ بحسب الواقع، وإن اختلف فيها بحسب الظاهر والادّعاء؛ لتكون ملاكاتٍ يحتكم إليها؛ ومن ثمّ الاستعانة بما هو مسلّمٌ من التراث الإسلاميّ لطرح الرؤية الإسلاميّة الحقّة.
هـ ـ النزعة الانتمائيّة العمياء
إنّ العرب عمومًا - والعراقيّين خصوصًا - تعشعشت فيهم النزعة الانتمائية العمياء للعشيرة أو القوميّة أو الطائفة أو الحزب، وهذه الأفكار الانتمائيّة تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على الفكرة المركزيّة المتضمّنة في (العقيدة) فكلّما ضعفت الفكرة المركزيّة تنامت النزعات أو الأفكار الانتمائيّة، والعكس بالعكس. من هنا علينا توجيه أنظار الناس باستمرارٍ إلى الفكرة المركزيّة (العقيدة) لاستبعاد الأفكار الانتمائية الضيّقة، ولضمان رسوخ العقيدة الحقّة، وهذا في الواقع يتطلّب منا عملًا دؤوبًا وحملاتٍ تثقيفيّةً واسعةً في هذا الصدد، ولا بدّ من تظافر الجهود كافّةً من أجل تحقيق الغاية المنشودة، سيّما الجهد الحكوميّ الرسميّ، ومن الآليّات ضمن الخطّة المعدّة لحملات التثقيف هي إقامة ندواتٍ ومؤتمراتٍ ودوراتٍ مكثّفةٍ لتحقيق هذا الهدف.
و ـ عقدة النقص المعرفيّ
الكثير من مثقّفينا يعاني من عقدة النقص المعرفيّ أمام النموذج الغربيّ، والسبب في ذلك هو تعملق الغرب في مجال التكنولوجيا والعلوم الطبيعيّة؛ ممّا جعل المتلقّي في مجتمعاتنا يعتقد أنّ هذا مؤشّرٌ على تقدّمهم في مجالات المعرفة بكلّ أصنافها، ونرى في الواقع أنّ هذا التصوّر خاطئٌ؛ لعدم وجود ملازمةٍ بين تقدّم الغرب مادّيًّا وتكنولوجيًّا وبين تقدّمهم في المجال الفكريّ والرؤية الكونيّة، بل إنّ اهتمام الغرب المفرط في مجال التكنلوجيا جعلهم في شغلٍ عن التوجّه لمباحث الفلسفة والأديان، والثابت تاريخيًّا أنّ الغرب انقطع عن تراثه الثقافيّ والفلسفيّ إبّان عصر النهضة، إلى حين انبثاق نجم ديكارت الّذي يعدّ أبًا للفلسفة الغربيّة.
وهذا ما نأمل التأكيد عليه ولفت الأنظار إليه ضمن استراتيجيّة مشروعنا، من خلال كتابة مقالاتٍ وإقامة الندوات للمقارنة بين الفكر الغربيّ والفكر الإسلاميّ.
ز ـ الوضع الأمنيّ والسياسيّ
الفلتان الأمنيّ في واقعنا والأزمات السياسية وما يستتبعها من تداعياتٍ تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على استعداد الناس لتلقّي أيّ مشروعٍ فكريٍّ، فهذه العوامل من شأنها أن تجعل الناس في دوّامةٍ لا تعرف ما هو الأصلح لها، حتّى تعيش حالة الإحباط، ويكون همّها الخلاص من واقعٍ ملموسٍ بأيّ طريقةٍ، وليس الفكر - بحسب النظرة الاجتماعيّة الساذجة - حلًّا لمثل هذه الأزمات؛ لذا لا بدّ من البحث عن أجواءٍ مستقرّةٍ نوعًا ما من أجل طرح هذا المشروع.
ح ـ الإمكانيّات المادّيّة
مع توفّر المادّة العلميّة والإعلاميّة فلا شكّ أنّ المخرجات لهذه المادّة تحتاج إلى إمكانيّاتٍ مادّيّةٍ ضخمةٍ، ونعلم أنّ الوضع المادّيّ للمؤسّسة حرجٌ، وهذا يتطلّب منّا أن نسعى مع الجهة المموّلة للمشروع في تأمين ما أمكن من الإمكانيّات المادّيّة لضمان سير المشاريع التفصيليّة المطروحة، وتنفيذ خططها حتّى لا يتعثّر المشروع.
ط ـ القدرات والطاقات العلميّة
من المسلّم أنّ المشروع الفكريّ يحتاج إلى كادرٍ علميٍّ مؤهّلٍ للنهوض بمهامّه على الوجه والأهداف المطلوبة، وكلّنا يدرك ندرة المتخصّصين في المجال الفكريّ والعقديّ، ومع ذلك نعتقد أنّنا في مؤسّسة الدليل وفّقنا إلى حدٍّ كبيرٍ بتأمين مجموعةٍ من المتخصّصين ممّن يحملون همّ المشروع الفكريّ الإسلاميّ، ولكن لا زال هناك حاجةٌ إلى زيادة العدد نأمل توفيره في المستقبل القريب.
ي ـ القدرات والطاقات الفنّيّة والتكنولوجيّة
هناك شحّةٌ في القدرات والطاقات البشريّة القادرة على التعاطي مع الوسائل التكنولوجيّة بتخصّصٍ وحرفيّةٍ، من مبرمجين ومصمّمين وغيرهم، ومن المسلّم أنّ مشروعنا بحاجةٍ ماسّةٍ لهذه الطاقات من أجل ابتكار الطرق الإخراجيّة والتسويقية للمادّة العلميّة المنتجة في المؤسّسة على شكل مادّةٍ إعلاميّةٍ مستساغةٍ، ومن فضل الله - تعالى - تحقق بقدرٍ يسيرٍ بمقدار ما لدينا من إمكانيّاتٍ مادّيّةٍ.
2. التحدّيات الخارجيّة:
يمرّ واقعنا الفكريّ والثقافيّ بأزماتٍ كبيرةٍ وإخفاقاتٍ متتاليةٍ؛ وكلّ هذا ناتجٌ عن هيمنة القوى الظلاميّة على وسائل التنمية البشريّة من التعليم والمراكز العلميّة والثقافيّة وماكنات الإعلام، وبهذا أصبح بمقدورهم التحكّم بالواقع الفكريّ والثقافيّ، ولديهم الإمكانيّة على صياغة عقول الأجيال المتعلّمة والمثقّفة بصورةٍ يسهل معها السيطرة عليها وتوجيهها بما يخدم مصالحهم.
وهذا هو التحدّي الخارجيّ الأعظم، ولم يعد خافيًا اليوم مشروع العولمة الّذي اختزل كلّ المجالات الحياتيّة ضمن منظومةٍ محدّدةٍ، وممّا يؤسف له أنّ الكثير من مثقّفينا ومؤسّساتنا - حتّى الإسلاميّة منها - استدرج إلى هذه الدائرة، وأخذ بالتعاطي معها بشعورٍ أو بغير شعورٍ، ففي المجال المعرفيّ يتفاخر البعض أنّه يكتب أو يترجم كتب ومقالات عصر التنوير والحداثة وما بعدها، وأصبحت كتبنا ومجلّاتنا تزخر بالمفردات والأسماء الغربيّة، وما أكثر الاستشهاد بأسماءٍ لمعت في سماء الغرب لا لشيء إلّا لشدّة معاداتها للأديان، وحملها شعار التحرّر من قيود الأخلاق والقيم، وكثيرٌ منهم متّهمون بانتمائهم إلى الماسونيّة العالميّة، ولكنّ المؤسف أن نرى بعض مجلّاتنا الإسلاميّة والشيعّية اليوم وهي تغصّ بثرثراتهم الفارغة، فهناك بعض المجلّات متخّصصةٌ بترجمة ونشر مقالات المفكريّين الغربيين مع نقدٍ باهتٍ؛ لذا فإنّ كلّ ما ينشر إنّما هو ترويجٌ مجّانيٌّ وإهدارٌ للمال والجهود.
فالسبيل لمواجهة التحدّيات الخارجية هو أن نتوقّف أوّلًا عن التعاطي مع أطروحات الغرب والترويج لها، وأن نعمل على تحصين مؤسّساتنا التعليميّة والثقافيّة، وترسيخ العقيدة الحقّة وقيم الإسلام الأصيل، وترشيد الإعلام وتفعيل دور الرقابة الفكريّة والثقافيّة؛ لتنقية الأجواء مهما أمكن من التلوّث الثقافيّ.
ثانيًا: الإمكانيّات الأساسيّة:
1. نمتلك الفكر والرؤية الواقعيّة الّتي تعدّ أهمّ عاملٍ في نجاح أيّ مشروعٍ.
2. لدينا خطّةٌ نسير على وفقها.
3. نمتلك اسمًا عظيمًا ننتمي إليه، ألا وهو الإمام الحسين.
4. لدينا مجتمعٌ يحمل عاطفةً وحبًّا فطريًّا لأهل البيت.
5. لدينا دعمٌ معنويٌّ مباشرٌ من ممثّل المرجعيّة الدينيّة العليا.
6. لدينا كوادر علميّةٌ ذوو خبرةٍ عاليةٍ وتخصّصٍ في المجال الفكريّ العقديّ، يمتلكون القدرة على التأليف والكتابة وإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات والتعليم، والتنظير في مجال العمل المؤسّسيّ، وهٰؤلاء بمثابة المخّ والعمود الفقريّ الّذي ترتكز عليه المؤسّسة لتنفيذ مشروعها.
7. لدينا كادرٌ إداريٌّ وإعلاميٌّ وفنّيٌّ متخصّصٌ يمتلكون القدرة على توفير الخدمات والوسائل الكفيلة في إظهار المنتج العلميّ.
8. لدينا إمكانيّةٌ مادّيّةٌ توفّرها لنا العتبة الحسينيّة المقدّسة.
اقتراحٌ:
بخصوص النقطة الأخيرة أقترح على الجهة المموّلة تخصيص مشاريع استثماريّةٍ لرفد هذا المشروع والمشاريع الفكريّة كافّةً، بمعنى أن يكون بإزاء كلّ مشروعٍ فكريٍّ مشروعٌ استثماريٌّ يخصّص له كادرٌ مرتبطٌ بالمشروع الفكريّ نفسه، يتكفّل توفير المستلزمات الماليّة دون الاتّكال الكامل على موارد العتبة، وبهذا نؤمّن أمرًا مهمًّا لاستمراريّة المشاريع الفكريّة، وعدم تأثّرها بالتذبذب الماليّ.
العنصر الثالث: خطّة المشروع:
بعد تحديد الأهداف الأساسيّة المراد تحقيقها في هذا المشروع، والّتي انبثقت من تشخيص ما يعانيه الواقع الفكريّ والثقافيّ - بشكلٍ عامٍّ - من هستيريا وفوضى معرفيّةٍ، استدعى ذلك اتّخاذ القرار بضرورة قيام مشروعٍ فكريٍّ ناهضٍ، يحمل على عاتقه مسؤوليّة التصدّي، ضمن رؤيةٍ واقعيّةٍ قادرةٍ على دحض الشبهات ومعالجة الإشكاليّات الفكريّة، وبحسب عقيدتنا فإنّ النموذج المثاليّ للرؤية العقديّة الّتي تصلح لإعطاء حلولٍ ومعالجاتٍ حقيقيّةٍ منسجمةٍ مع الواقع، هي الرؤية القائمة على أساس المنهج العقليّ المنسجم مع القرآن الكريم وكلمات أهل بيت العصمة والطهارة، الّذين أثبت العقل مرجعيّتهم.
لذا فإنّه يتطلّب منّا تقديم خطّةٍ تحدّد فيها المشاريع الكلّيّة ومراحل إنجازها وآليّات تنفيذها. والآليّة الرئيسة الّتي نعتمدها في تنفيذ خطّتنا هي إنشاء مؤسّسةٍ ذات هيكليّةٍ متماسكةٍ، تتألّف من كادرٍ علميٍّ متخصّصٍ بالعقيدة بكلّ مجالاتها، وكادرٍ إداريٍّ وإعلاميٍّ تقع على عاتقه مسؤوليّة تهيئة متطلّبات العمل العلميّ ومستلزمات إخراجه بالشكل المناسب، وتسويقه ضمن خططٍ مدروسةٍ.
والخطّة تطرح ضمن المجالاتٍ الثلاثة التالية:
1. مجال التحقيق والبحث العلميّ.
2. مجال التعليم.
3. مجال التبليغ والإعلام.
المجال الأوّل: التحقيق والبحث العلميّ
إن طبيعة مشروعنا الفكريّ تفرض على المؤسّسة طابعًا علميًّا تحقيقيًّا، يعدّ الأساس والمنطلق للمشاريع الأخرى الّتي تتبنّى المؤسّسة تنفيذها ضمن خطّتها العامّة.
فالتحقيق العلميّ هو الأداة الرائدة في صياغة رؤيةٍ متكاملةٍ منسجمةٍ تعبّر عن النظام العقديّ الّذي ينبغي الإيمان به والعمل على وفقه، وليس ثمّة ما يمكن التعويل عليه - في مقام دراسة الرؤى المختلفة وتقييمها وفرزها بنحوٍ موضوعيٍّ - غير الأسلوب العلميّ التحقيقيّ.
على هذا الأساس ارتأى القائمون على هذا المشروع أن يكون (التحقيق والبحث العلميّ) قوام المؤسّسة الّذي يعدّ رصيدها ومصدر قوّتها الجانب التحقيقيّ؛ ولذا تمّ تشكيل شعبةٍ خاصّةٍ للبحوث والدراسات ضمن هيكليّة المؤسّسة؛ للقيام بهذا الدور المهمّ والضروريّ، وقد تمّ ترتيب وحداتها ترتيبًا منطقيًّا يتناسب مع الترتيب الموضوعيّ للأحكام العقديّة.
منهجنا التحقيقيّ:
تختلف المناهج المعرفيّة المعتمدة في استنباط الأحكام العقديّة وتحقيق مسائلها بحسب الأدوات المستخدمة في عملية البحث، فهناك المنهج التجريبيّ الحسّيّ، والنصّيّ النقليّ، والكشفيّ السلوكيّ، والبرهانيّ العقليّ، واختلفت المدارس الكلاميّة والفلسفيّة تبعًا لهذا الاختلاف المؤدّي - بطبيعة الحال - إلى رؤًى فلسفيّةٍ وعقديّةٍ مختلفةٍ، ونحن لسنا معنيّين بالمدارس الفلسفيّة والكلاميّة، ولا يهمّنا مقدار اختلافهم بقدر ما يهمّنا مدى التزامهم بالمنهج الواقعيّ في تحقيق المسائل العقديّة.
ومنهجنا المعتمد في مؤسّسة الدليل هو المنهج العقليّ، ولسنا نعني من المنهج العقليّ الاقتصار على معطيات العقل المجرّد وما تجود به البراهين المنطقيّة من دون الاستعانة بالأدوات المعرفيّة الأخرى، وإنّما نعني بالمنهج العقليّ ما يكون العقل فيه أساسًا وحاكمًا في تقييم المناهج المعرفيّة ومعطياتها، والاستفادة من الأدوات المعرفيّة بأنواعها كافّةً، وكلٌّ حسب دائرة موضوعه، فالأحكام الحسّيّة (دائرة المحسوسات) نرى أن الحاكم فيها العقل ولكن بواسطة الأدوات الحسّيّة، وأمّا أحكام الحسّ الباطن أو الكشوفات العرفانيّة فالعقل هو الحاكم بواسطة ما يسمّى (القلب) في اصطلاحهم، وكذا الأحكام القانونيّة التشريعيّة، والأحكام العقديّة الجزئيّة ليس للعقل طريقٌ لها سوى النصوص القانونيّة أو الدينيّة، بمعنى أنّ العقل هو الّذي يمنحها الحجّيّة، ويسمح باعتمادها والجري على طبقها؛ لأنّ العقل منقادٌ إلى مصدرها قهرًا بعد ما ثبتت له وفق رؤيته الكونيّة أنّ له هذا المقام وتلك الشأنيّة.
وأمّا الأحكام العقديّة الكلّيّة فليس ثمّة واسطةٌ للعقل في إدراكها، وإنّما يدركها بنفسه مباشرةً، نعم يمكن أن يكون هناك منبّهاتٌ من النصوص الدينيّة أو غيرها.
إذن منهجنا التحقيقيّ، الّذي يرى القائمون على المؤسّسة اعتماده في مقام البحث والتحقيق هو المنهج العقليّ بالوصف الّذي تقدّم، وهذا المنهج محلّ قبولٍ واعتمادٍ من أغلب أساطين متكلّمي مدرسة أهل البيت، هذا في مقام الثبوت، وأمّا في مقام الإثبات والجدل والإقناع، فيمكن الاستعانة بكلّ الوسائل الّتي تقرّب وجهة النظر والمعتقد إلى ذهن المخاطب.
مشاريع هذه الشعبة على ثلاثة أصنافٍ:
1. المشاريع طويلة الأمد:
وهي المشاريع الأساسيّة الّتي لا تقلّ مدّة إنجازها عن سنتين، ويتمّ العمل عليها بشكل متوازٍ من قبل الواحدات كافّةً، وتتمثّل في الموسوعات والكتب الكبيرة نسبيًّا، ومخاطبها الرئيسيّ المتخصّصون والنخب.
2. المشاريع متوسّطة الأمد:
وهي المشاريع الّتي لا تزيد مدّة إنجازها عن السنة، وتكون على شكل كتبٍ متوسّطة الحجم أو كتيّباتٍ أو مجلّةٍ، بحيث لا يزيد عديد صفحاتها عن مئتي صفحةٍ، ومخاطبها المتخصّصون والنخب والمثقّفون.
3. المشاريع قصيرة الأمد:
وهي المشاريع التي لا تزيد مدة إنجازها عن الثلاثة أشهر، وهي عبارة عن الكراريس لا تتجاوز عدد صفحاتها عن الخمس والعشرين، ومخاطبها عامّة المثقّفين.
المجال الثاني: التعليم
ضمن الرؤية العقديّة الّتي تتشكّل ملامحها في المجال الأوّل، تبرز ضرورة توفير آليّاتٍ تؤمّن وصول هذه الرؤية للفئات المستهدفة، ويعدّ التعليم - بدون أيّ منازعٍ- العنصر الأهمّ في تأمين وصول الأفكار وترسيخها في ذهنيّة المخاطبين، بل ومن أكثر الآليّات الفاعلة والمؤثّرة في تكوّن قناعات الناس وسلوكيّاتهم.
فمجال التعليم الّذي تنشأ في أحضانه عقول الأجيال وتنمو على مائدته كفاءات المجتمع وقياداته، له الدور الأبرز في عملية صياغة الشخصيّة المجتمعيّة؛ لأنّه يمثّل كمًّا تراكميًّا من المفاهيم يتلقّاها المتعلّمون منذ نعومة أظفارهم حتّى كهولتهم؛ لذا فإنّ التعليم هو من يرسم لهم سلوكيّة تفكيرهم الّذي ينعكس على مجمل تعاطيهم مع قضاياهم المختلفة وبلورة مواقفهم.
ومن هنا ينبغي الالتفات إلى أنّ الأمن الفكريّ يتأثّر سلبًا وإيجابًا بالممارسة التعليميّة والمنهج الّذي يتّبع في التعليم، فالّذي يريد رسم استراتيجيّة الأمن الفكريّ المجتمعيّ عليه أن لا يغفل بحالٍ من الأحوال الجانب التعليميّ والمنهج المتّبع في هذا المجال، بل لا بدّ من البدء بدراسة المفردات التعليميّة، سيّما مادّة الدرس الدينيّ من حيث المنهج والمضمون، وطبيعة الأساليب المتّبعة في إيصال تلك المضامين.
ومن ثمّ العمل على تنقيتها، وتعديل المنهج أو تبديله بما يتناسب والأهداف الّتي منها صياغة الفكر العقديّ والرؤية الفلسفية الّتي يراد غرسها في أذهان الجيل المتعلّم، وإلّا سوف تنمو الشخصيّة المتعلّمة بنحوٍ مشوّهٍ تعيش الازدواجيّة في كلّ مفاصل حياتها.
فمن كان يهدف إلى بناء نظامٍ مجتمعيٍّ يرتكز على فكرة مبدئيّة المادّة وأصالة المنفعة المادّيّة ومحوريّة اللذائذ الحسّيّة، فإن ما يناسبه هو تكريس حالة الحسّ والاتّكاء على المنهج التجريبيّ والاستقرائيّ؛ باعتباره الطريق المؤدّي إلى تحصيل تلك الأهداف المنسجمة مع رؤيتهم.
وأمّا من يهدف إلى تشييد نظامٍ قائمٍ على أساس أنّ الواقع أعظم من المادّة، وأنّ الأهداف تتجاوز أفق المنافع المادّيّة، فعليه أن يبحث عن منهجٍ يؤدّي إلى هذه الرؤية وتلك الأهداف؛ لأنّ المنهج الحسّيّ التجريبيّ لا يفي بهذه المطالب؛ وأن يعمد إلى صياغة المضامين وأساليب إيصالها بما ينسجم مع ذلك.
والمنهج الّذي تقوم على أساسه عمليّات التفكير في الواقع هو ما ينبغي التركيز عليه ومعالجته، وبإصلاحه يسهل إصلاح أو بناء المنظومة الفكريّة بالنحو المطلوب، وتنشأ الشخصيّة وفق المعادلات السليمة؛ وستكون بالتالي ذات تأثيرٍ إيجابيٍّ فاعلٍ في الحركة التكامليّة للمجتمع.
بيد أنّ الناظر في الواقع التعليميّ لبلداننا العربيّة والإسلاميّة - لا سيّما التعليم الدينيّ - يرى بوضوحٍ حالة الهزالة وفقدان بوصلة الهدف، وكأنّ المناهج الدينيّة كتبت لإيصال رسالةٍ واحدةٍ، وهي أنّ هناك شيئًا اسمه الدين، ولكن ما هي حقيقة هذا الدين؟ وهل هو علمٌ أو ليس بعلمٍ؟ وهل له منهجٌ في إثبات مسائله؟ وهل لمنهجه قيمةٌ علميّةٌ؟ كلّ هذه الأسئلة لا يجد المتعلّم أجوبةً عنها؛ الأمر الّذي يؤثّر سلبًا على بناء الشخصيّة الفكريّة بل والعلميّة، ويجعلها تعيش حالةً من الازدواجيّة، فمن جهة العلوم الطبيعيّة الّتي يدرسها المرء يرى أنّها تخضع لمعيار الحسّ والتجربة وهو منهجٌ رصينٌ في إثبات الواقع المحسوس أو المادّيّ، ومن جهة مسائل الدين يرى أنّه ملزمٌ بالتصديق بنصوصٍ يكون الطريق إلى مؤدّاها شيءٌ اسمه الوحي، وليس لهذا الوحي طريقٌ حسّيٌّ، ولا يقع تحت التجربة لكي يتعاطى مع المعارف الناتجة عنه، فمسألة الإيمان بتلك المعارف تحتاج إلى طريقٍ غير الحسّ والتجربة، وأيّ طريقٍ آخر ليس له قيمة علميّةٌ بنظر المتعلّم، خصوصًا وأنّه قد تعلّم منذ الصفوف الأولى - في درس العلوم بالتحديد - أنّ العالم عبارةٌ عن وجوداتٍ أربعةٍ لا خامس لها (الجماد، والنبات، والحيوان، والإنسان)، وليس ثمّة وسائل إدراكٍ لهذه الوجودات غير الحسّ والتجربة؛ فلم يعهد منهجًا علميًّا يتمّ تحصيل المعارف به غير الحسّ والتجربة؛ لذا فإنّ أيّ فكرةٍ وراء هذا تعدّ خروجًا عن الضوابط والمعايير العلميّة حسب منظاره.
فمفردة الدين - في الواقع - أقحمت في التعليم المدرسيّ دون دراسةٍ مسبقةٍ وبدون تحديد هدفٍ استراتيجيٍّ، ويبدو أنّ سبب طرح الدين كمادّةٍ علميّةٍ جاء لإرضاء المجتمعات الإسلاميّة؛ ليرسلوا أبناءهم ويتقبّلوا المشروع التعليميّ الغربيّ الّذي يهدف إلى نشر النزعة المادّيّة والمنهج الوضعيّ، والقضاء على الرؤية الدينيّة والقيم الإنسانيّة العليا.
ولأنّ الدين أقحم بشكلٍ غير مناسبٍ بين الموادّ العلميّة في المدارس الأكاديميّة؛ فقد أصبح مادّةً هجينةً غير منسجمةٍ مع النظام المدرسيّ؛ الأمر الّذي جعل هذه المادّة مصدر إزعاجٍ للمتعلميّن وليس لها قيمةٌ ولا أيّة جاذبيّةٍ؛ ولذا نجد أنّ الّذي يكلّف بتدريس التربية الإسلاميّة لا يكون بالضرورة متخصّصًا، ولا ضرورة لإيمانه بالدين، وكثيرًا ما شاهدنا وسمعنا أنّ هناك من يدرّس التربية الإسلاميّة ولديه نزعةٌ ماركسيّةٌ مادّيّةٌ، وقد لا يؤمن بوجود إلٰهٍ فضلًا عن الدين، وليس من المستبعد أنّ ثمّة نوايا مسبقةً لكلّ هذه الممارسات؛ وذلك لإظهار الدين بصورةٍ مشوّهةٍ هزيلةٍ، لا يعتنقه إلّا المتخلّفون الّذين لا تهمّهم المعايير العلميّة.
والمشكلة تكمن - من وجهة نظرنا - في عدم وضوح الرؤية لدى المتصدّين لكتابة المناهج الدينيّة في المدارس الأكاديميّة، والشاهد على ذلك هو عدم تفريقهم بين الدين كطقوسٍ ومواعظ وتعاليم ينتفع بها المؤمنون، وبين الدين كعلمٍ له معياره ومنهجه الرصين في إثبات مسائله، وله علمٌ آليٌّ يتقدّم عليه ويتكفّل إثبات مبادئه.
فما يطرح اليوم في المدارس عبارةٌ عن مواعظ وطقوسٍ لا يجد المتعلّم فيها جاذبيّةً، ولا يحفظها إلّا لأداء الامتحان ونيل الدرجة، فليس لما يطرح أيّة علاقةٍ بالعلم الدينيّ؛ لافتقاره أهمّ العناصر المقوّمة للعلم، ألا وهو المنهج المتّبع في إثبات مسائله.
فالمناسب للتعليم المدرسيّ الأكاديميّ هو أن يكون التعليم الدينيّ علمًا معياريًّا يتمّ فيه إثبات مبادئ الدين ومسائله، وهذا ما يتطلّب تشخيص المنهج في مراحل التعليم الدينيّ كافّةً.
وفي الحقيقة لدينا رؤيةٌ مقترحةٌ في التعليم الدينيّ، وهي أن تكون مادّة التربية الإسلاميّة على مستوياتٍ ثلاثةٍ هي: التربية الفكريّة، والتربية الدينيّة، والتعليم الدينيّ.
المستوى الأوّل (التربية الفكريّة): وهذا يعدّ من أهم المستويات على الإطلاق، حيث يدرس الطالب فيه أصول التفكير وقواعده ومناهجه، وبنحوٍ يتناسب مع كلّ مرحلةٍ عمريّةٍ؛ وذلك لتعريف الطالب أنّ المنهج العلميّ الموصل للحقائق ليس منحصرًا في المنهج التجريبيّ الحسّيّ؛ تمهيدًا له لقبول المسائل الإلٰهيّة وتفاصيل العقيدة، ومن الخطإ الفادح أن يدرس الطالب العقيدة والدين قبل أن يدرس أصول التفكير ومناهجه؛ لأنّه سوف يكون بعد ذلك أحد شخصين: إمّا مفرطٌ متزمّتٌ متعصّبٌ، أو مفرّطٌ متنكّرٌ للدين وزاهدٌ فيه، والسبب ما أشرنا إليه؛ لأنّ الطالب إمّا أن يتشبّث بما تلقّاه تقليديًّا فيعيش الانغلاق ولا يتحمّل أيّ نقاشٍ فيما اعتقده، وإمّا أن يتمسّك بالمعيار التجريبيّ الحسّيّ والمنطق الوضعيّ؛ فيستخفّ بمسائل ما وراء الطبيعة، ويعدّها قضايا ليس ذات معنًى، ولا قيمة علميّةً لها.
لذا ينبغي أن تبدأ التربية الفكريّة من المرحلة الأولى وتستمرّ إلى الأخيرة، وأن يلزم الطالب بامتحاناتٍ فيها؛ لأنّها المادّة الخام والأساس لبناء الرؤية الفكريّة العقديّة بعد ذلك.
المستوى الثاني : (التربية الدينيّة): وهي عبارة عن النشاط الدينيّ والممارسة العمليّة للدين، وتشمل الأخلاق والعبادات والنشاطات القرآنيّة من حفظٍ وتلاوةٍ. وإنّ التربية الدينيّة لا بدّ أن تستمرّ في طول المسيرة التعليميّة من المرحلة الأولى إلى المرحلة الأخيرة في الإعداديّة، ويفضّل أن لا يلزم الطالب بامتحاناتٍ، بل يكون ضمن مسجد المدرسة ويشرف عليه أحد المعلميّن أو أحدٌ من رجال الدين، المهمّ أن يكون المشرف مرشدًا دينيًّا وخلوقًا.
المستوى الثالث (التعليم الدينيّ): يدرس الطالب في هذا المستوى كيفيّة الاستدلال على العقيدة وأحكامها، ومصادر الشريعة وأحكامها، وأصول التفسير وأحكامه، كلّ هذا يعلّم بنحوٍ يتناسب وكلّ مرحلةٍ عمريّةٍ.
والتعليم الديني يبدأ من مراحل متأخّرةٍ نسبيًّا كالمرحلة المتوسّطة مثلًا؛ لأنّها تحتاج إلى مقدّمات يطويها الطالب في التربية الفكريّة، فهي مرحلةٌ صعبةٌ على الطالب المبتدئ مهما بسّطت، ولا بدّ أن يكون فيها امتحاناتٌ.
ينبغي الإشارة هنا إلى ضرورة تجنّب إقحام النصوص الدينيّة بدون منطق فهم النصّ؛ لأنّه يؤثّر سلبًا على البناء الفكريّ للمتعلّم، فمع كون المنهج التعليميّ المدرسيّ قائمًا على الحسّ والتجربة، لا ينفع أن نقحم النصوص الدينيّة؛ لأنّ الطالب لا يأخذها إلّا بنحوٍ تقليديٍّ ساذجٍ، ولا يرى في نفسه بحسب الواقع إيمانًا بهذه المعارف بقدر إيمانه وتصديقه بالمعارف الحاصلة لديه من طريق الحسّ والتجربة، نعم قد يتعاطف ويتعصّب للمعارف الدينيّة لأنّها تمثّل رمزيّةً معيّنةً في نفسه؛ كونه توارثها من آبائه وممّن يحبّهم ويرتبط بهم ارتباطًا عضويًّا، ولكن في المحصّلة قد يصبح هذا النمط وبالًا على مجتمعه، ولعلّنا نشاهد الكثير من هذه النماذج في ساحتنا العراقيّة، من الّذين هم نتاج وضحيّة الانحدار المنهجيّ في التعليم.
فإذا ما أردنا إيصال المعارف الحقّة الّتي ترتبط بما وراء الطبيعة، فعلينا أن نوجّه ذهن المتلقّي إلى تلك الجهة من خلال بناء عمليّة التفكير لديه على وفق المنهج العقليّ الواقعيّ، ضمن إطار (التربية الفكريّة) الّتي أشرنا إليها سلفًا، بعد ذلك لا نحتاج إلى عمليّة تكثيف النصوص الدينيّة، بل إنّ المتعلّم سوف يصل بشكلٍ طبيعيٍّ وممنهجٍ إليها.
من هنا ندعو إلى ضرورة إعادة النظر في التربية الدينيّة، وأن نطلق مشروع التربية الفكريّة كمقدّمةٍ للتربية الدينيّة والإسلاميّة؛ ليتعلّم الطفل من أوّل دخوله المدرسة أنّ الحسّ واحدٌ من مصادر معرفته، وليس هو المصدر الوحيد، وقد وضعت هذه الفكرة قيد الدراسة الجدّيّة في مشروع مؤسّستنا الواعد.
ونهيب بالمعنيّين وأصحاب الشأن أن تكون لهم وقفةٌ جادّةٌ لإعادة النظر في مفردة التعليم الدينيّ؛ ليتسنّى طرحه ضمن رؤيةٍ واقعيّةٍ وفي قالبٍ علميٍّ متينٍ؛ ليكسب ثقة المتعلّم أوّلًا ويحظى باحترام المعلّم ثانيًا.
المجال الثالث: الإعلام
تعدّ وسائل الإعلام - بكلّ أشكالها المرئيّة والمسموعة والمقروءة - من أهمّ آليّات البناء الفكريّ والثقافيّ، وهي تسهم بشكلٍ كبيرٍ وفاعلٍ في بلورة قناعات الناس وتشكيل ثقافاتهم، فمن الممكن أن يستغلّ هذا العامل الحيويّ بصورةٍ إيجابيّةٍ في تحقيق أهدافٍ إنسانيّةٍ ساميةٍ، وفي الوقت ذاته يعدّ عامل الإعلام من أخطر التحدّيات تهديدًا للمجتمعات، وأقدرها على زرع الفوضى وعلى زعزعة الأمن الفكريّ والاجتماعيّ، ولا يمكن الوقوف أمام هذا المارد إلّا من خلال مشروع تأهيل المجتمع فكريًّا وعقديًّا، وإيجاد حصانةٍ ذهنيّةٍ، وهذا ما نطرحه ضمن مشروعنا الواعد بعنوان (التربية الفكريّة).
فالنافذة الّتي يصعب غلقها ومواجهتها في إطار الصراع الثقافيّ هي نافذة الأعلام؛ ولذا تسعى حكومات الدول المؤدلجة وفق رؤًى دينيّةٍ أو فلسفيّةٍ معيّنةٍ إلى اعتماد سياساتٍ تعسّفيّةٍ وممارساتٍ قهريّةٍ كمحاولةٍ لاستقرار الأمن الفكريّ الّذي ينسجم مع سياستها، وتعيش حالة التوجّس والتوتّر من شيءٍ اسمه (الإعلام الحرّ)، وتحاول بكلّ جهدها السعي للهيمنة على وسائل الإعلام ومصادره، وترصد ميزانيّاتٍ ضخمةً لإنشاء مؤسّساتٍ ومراكز إعلاميّةً خاصّةً بها؛ لأنّها تدرك مدى خطورة هذه الوسائل وما تخلّفه من آثارٍ على أمنها الفكريّ والاجتماعيّ، فترى أنّ هذه الحكومات لا تفتأ محاولةً منع وغلق المنافذ الإعلاميّة الخارجة عن سيطرتها، والّتي قد تأتي رياح التغيير الفكريّ من خلالها فتؤدّي إلى تغيير نمط الحكم والسلطة.
وعلى هذا فمن الضروريّ أن يكون لهذا المجال عنايةٌ خاصّةٌ، وأن لا يهمل بحالٍ من الأحوال في إطار رسم استراتيجيّة الأمن الفكريّ والتأهيل العقديّ الّذي نسعى إلى تحقيقه، فالمنطق يحتّم علينا استثمار هذه الوسيلة بأقصى درجةٍ ممكنةٍ، وأن نرصد جزءًا كبيرًا من أمكانيّاتنا لذلك، كما وينبغي لنا أن نبني خبراتٍ علميّةً إعلاميّةً قادرةً على التعاطي مع هذه الوسائل؛ من أجل تحقيق أهدافنا وطموحاتنا المشروعة.
وهذا ما تمّ إقراره فعلًا ضمن خطّة المشروع، ووضعت جملةٌ من الأفكار والرؤى الناضجة لإنجاز أعمالٍ إعلاميّةٍ من شأنها نشر مضامين المشروع الفكريّ العقديّ بصورةٍ فنّيّةٍ لائقةٍ وجذّابةٍ، ومواجهة الإعلام المضلّل وفضح مخطّطاته بصورةٍ ذكيّةٍ مدروسةٍ.
العنصر الرابع: آليّات التنفيذ:
من أجل ضمان تنفيذ المشروع وتحقيق أهدافه وفق الخطّة المرسومة لا بدّ من توفير عدّة عناصر تعدّ الآليّات الكلّيّة للتنفيذ:
1. العنصر العلميّ:
يحتاج تنفيذ المشروع إلى كادرٍ علميٍّ متخصّصٍ في المجال الفكريّ العقديّ، قادرٍ على كتابة البحوث وتحقيق التراث العقديّ، ومخاطبة الجمهور في الندوات والمؤتمرات.
2. العنصر الإداريّ:
يحتاج المشروع إلى كادرٍ إداريٍّ ناجحٍ يقوم بمهمّة تسهيل الإجراءات الإداريّة للعاملين كافّةً؛ من أجل ضمان سير العمل دون تلكّؤٍ.
3. العنصر الإعلاميّ:
الإعلام أداة إظهار للمنجز بأفضل وجهٍ، وطريقٌ لترويج المشروع بين الأوساط المستهدفة، وهذا أمرٌ ضروريٌّ لحيويّة المشروع وفاعليّته جماهيريًّا.
4. العنصر الماليّ:
كلّ العناصر المتقدّمة لا يمكن تفعيلها بدون توفير عنصر المال النظيف؛ ولذا نرى لزامًا تحديد الجهة المموّلة للمشروع.
الخاتمة: توصياتٌ
توصيات المشروع نوجّهها إلى فئاتٍ مختلفةٍ:
1. نرجو أن يبادر المعنيّون في مجال التوعية الفكريّة والثقافيّة إلى إقامة مؤتمراتٍ خاصّةٍ بالأمن الفكريّ.
2. نأمل أن يقوم المسؤولون في مجال التعليم بإعداد لجنةٍ خاصّةٍ تحمل على عاتقها مسؤوليّة دراسة المفردات التعليميّة في المجال الفكريّ والدينيّ، وكشف الخلل فيها.
3. نقترح تشكيل لجنةٍ مؤلّفةٍ من خبراء متخصّصين في مجال الفكر والعقيدة والتربية، تقوم بكتابة مناهج تعليميّةٍ وتربويّةٍ في المجال الفكريّ العقديّ.
4. نقترح إقامة دوراتٍ وورشاتٍ خاصّةٍ بالتربية والتعليم الدينيّ العقديّ؛ بناءً على ما ذكر في المشروع، وينبغي أن يكون المشاركون فيها من الكوادر التعليميّة والتربويّة، لا سيّما المعنيّين بالتعليم الدينيّ، وذلك للاستفادة منها في مجال التعليم.
5. ندعو إلى إقامة ندواتٍ وملتقيّاتٍ لنشر مشروع التأهيل والتعليم العقديّ في أوساط المثقّفين والناشطين في المجال الإنسانيّ.
6. نرى ضرورة الاستفادة من وسائل الإعلام بأقصى درجةٍ ممكنةٍ؛ من أجل الترويج للثقافة العقديّة وفق المنهج المذكور؛ لكي يصبح ثقافةً عامّةً في أوساط المجتمع.
7. نأمل من القائمين على المشروع والعاملين فيه الجدّ والإخلاص لتحقيق الأهداف النبيلة الّتي تضمّنها المشروع.
شاهد المطلب في رابط التالي:
https://aldaleel-inst.com/article/16