حوار مع الأستاذ البروفسور جون أندرو مورو
أجرت مجلّة الدليل حوارًا مع البروفسور جون أندرو مورو، وفيما يلي النصّ الكامل للحوار.
س1: ابتداءً نتقدّم إليكم بوافر الشكر والامتنان والتقدير لقبولكم إجراء هٰذا الحوار مع مجلّة الدليل، الرجاء ذكر مقدّمةٍ مختصرةٍ عن حياتكم الشخصيّة، وانتقالكم من المسيحيّة الكاثوليكيّة إلى دين الإسلام الحنيف.
أنا الدكتور جون أندرو مورو (John Andrew Morrow) وُلدت في مونتريال بكندا عام 1971. كنت مسيحيًّا كاثوليكيًّا، وأكملت دراستي الابتدائيّة باللغة الفرنسيّة، ودراستي الثانويّة باللغة الإنجليزيّة، ودراستي الجامعيّة باللغات الإنجليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة.
اعتنقت الإسلام في السادسة عشرة من عمري، وبعد ذٰلك اتّخذت اسم (إلياس عبد العليم إسلام). حصلت على شهادة البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه في جامعة تورونتو، حيث تخصّصت في الدراسات الإسبانيّة، والدراسات الإسلامية، ثمّ تابعت دراستي العليا في اللغة العربيّة في المغرب والولايات المتّحدة. وإلى جانب تعليمي الغربيّ، أكملت دورةً كاملةً من الدراسات الإسلاميّة الحوزيّة التقليديّة بشكلٍ (شخصيٍّ) مستقلٍّ، وكذٰلك تتلمذت على يد مجموعةٍ من علماء أهل السنّة، والشيعة.
أمضيت أكثر من عقدٍ ونصفٍ في الولايات المتّحدة، عملت خلالها في مختلف الجامعات بما فيها جامعة بارك (Park University)، وجامعة الولاية الشماليّة (Northern State University)، جامعة نيو مكسيكو الشرقيّة (Eastern New Mexico University)، وجامعة فرجينيا (University of Virginia)، وكليّة آيفي التقنية (Ivy Tech)، حيث تمّ تعييني بالإجماع أستاذًا جامعيًّا بدرجةٍ كاملةٍ. عملت أستاذًا للإسبانية المتقدّمة، والثقافة الإسلاميّة، والأدب العالميّ في المعهد العائم للتعليم الفصليّ (Institute for Shipboard Educations Semester). وبعيدًا عن التزاماتي الأكاديميّة، أدير مؤسّسة العهود (Covenants Foundation)، وهي مؤسّسةٌ مكرّسةٌ لنشر الإسلام التقليديّ الحضاريّ، وتعزيز الوحدة الإسلاميّة، وحماية المسيحيّين المضطهدين، وتحسين العلاقات بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، وأنا أسافر باستمرارٍ إلى أنحاء العالم لتعزيز مبادئ السلام والعدالة.
منذ عام 1987 وحتّى الآن واصلت دراساتي الإسلاميّة التمهيديّة والمتوسّطة والمتقدّمة في النحو والصرف، والبلاغة، والأدب، والمنطق، والعقائد، والفقه وأصوله، والتفسير، والدراية، والرجال، والكلام، والفلسفة، والحكمة، والعرفان، والأخلاق، والتاريخ....إلخ.
وقد ألّفت عددًا من الكتب طبع منها:
1. عهود النبيّ محمّدٍ مع مسيحيّي العالم.
2. الإسلام الشيعيّ: أصلٌ أم بدعةٌ؟
3. كلمات الله للنبيّ محمّدٍ: أربعون حديثًا قدسيًّا.
4. صورٌ وأفكارٌ إسلاميّةٌ: مقالاتٌ حول الرمزيّة المقدّسة.
5. الدين والثورة: الإسلام الروحيّ والسياسيّ عند إرنستو كاردنال.
6. بصائر إسلاميّةٌ: كتاباتٌ ومراجعاتٌ.
7. موسوعة طبّ الأعشاب الإسلاميّ.
8. عناصر الهنود الحمر في شعر إرنستو كاردنال: الأسس الأسطوريّة في الرواية الشعبيّة.
9. العربيّة، والإسلام، ومعجم الله: كيف تشكّل اللغة مفهومنا عن الله.
ومن كتبي الّتي لم تطبع بعد:
1. العثور على دبليو دي فارد: كشف هوية مؤسّس أمّة الإسلام.
2. الشيعة في المغرب والأندلس.
3. الإسلام للناس المحلّيّين.
4. ما ليس هو الإسلام.
5. طعم الأحاديث.
وغيرها...
كنت مثل الجميع مؤمنًا عندما جئت إلى هٰذا العالم. فكما قال رسول الله (ص): «كلّ مولودٍ يولد على الفطرة». ونتيجةً لذٰلك نحن جميعًا مؤمنون بطبيعتنا، وليس سوى أسرنا ومجتمعاتنا هي الّتي تحوّلنا إلى يهودٍ أو مسيحيين أو مجوسٍ أو مشركين أو زنادقةٍ أو ملحدين.
كنت أشعر دائمًا بحبّ الله، وأشعر دائمًا بوجود الله. لم أكن أصلّي سوى للإلٰه الواحد. لم أكن أؤمن أنّ يسوع هو الله، ويمكن أن أقبل أنّه "ابن الله" بالمعنى الروحيّ، ولٰكنّي لم أكن أرى قط أنّه خالدٌ لا يموت. كنت أعبد خالق الكون وليس خلقه. كنت أرى يسوع مصدرًا للشفاعة، وبالتأكيد لم أكن أعتقد أنّ الله يتكوّن من ثلاثة أقانيم حسب الاعتقاد المسيحيّ (الأب – الابن – الروح القدس) بالنسبة لي، كان الله ولا زال وسوف يكون دائمًا وأبدًا واحدًا أحدًا. عندما كنت في سنّ المراهقة، وعندما فهمت اللاهوت المسيحيّ بصورةٍ أفضل، أدركت أنّني لم أكن مسيحيًّا؛ بل كنت في الحقيقة أبحث عن طريقٍ يوصلني إلى الله. درستُ جميع الأديان بتعمّقٍ ووجدتُ أنّ الإسلام - أي التسليم للواحد الأحد - هو بيتي. لقد كانت رحلةً إلى عمقٍ روحيٍّ.
وهٰذا لا يعني الازدراء لأي دينٍ أو معتقدٍ، فأنا أحترم الكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة بشكلٍ كبيرٍ، وقد تعلّمت أن أحبّ الله وأعبده. تعلّمت الكثير عن أنبياء الله ورسله (ع)، تعلّمت الوصايا العشر وشريعة موسى (ع)، تعلّمت الآداب والأخلاق، تعلّمت القانون الطبيعيّ والقانون الكنسيّ.
أنا لست جاحدًا للمسيحيّة الحقيقيّة لأنّها شريعةٌ وتعاليم أنزلها الله تعالى، وهٰذا الأمر أكّده الله - سبحانه - في وحيه المنزل على النبيّ الخاتم (ص) إذ قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [سورة الشورى: 13].
نعم لدينا اختلافاتٌ عقديّةٌ وتشريعيّةٌ ولٰكنّها اختلافاتٌ لا تدعو إلى القطيعة، بل القرآن الكريم أكّد على ضرورة حلّ تلك الاختلافات بالحكمة والحوار المتمدّن، قال الله تعالى: {ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [سورة العنكبوت: 46]، وهٰذا الأمر الإلٰهي في ضرورة الحوار والمجادلة معهم بكلّ احترام تابعٌ من الإيمان بضرورة الاعتراف بعناصر الحقيقة، واحترامها أينما وُجدت. وهٰذا هو السبب الّذي جعل رسول الله (ص) أن يعطي عهود الأمان والحماية لأهل الكتاب.
س 2: ما هي دواعي اختياركم لمذهب أهل البيت (ع) دون المذاهب الإسلاميّة الأخرى؟
أنا أحترم جميع المذاهب في الإسلام، ولٰكنّي أعتقد أنّ مدرسة أهل البيت لها وضعٌ خاصٌّ؛ إذ إنّها وصلت إلينا من خلال أئمّة آل البيت (ع)، وسنّتهم أمتدادٌ لسنّة النبيّ الأكرم (ص) الّذي أمرنا باتّباعهم في حديث الثقلين، إذ قال (ص): «وأنا تاركٌ فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به», فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» [مسلم، صحيح مسلمٍ، ج 2، ص 238]. فسنّتهم عريقةٌ وغنيّةٌ وحيّةٌ في الاجتهاد، ولها القدرة على استيعاب كلّ المستجدّات في حياتنا المعاصرة.
س 3: نرجو منكم تقديم بيانٍ مختصرٍ لضرورة العقيدة بشكلٍ عامٍّ وأهمّيّتها في حياة الإنسان.
الإيمان مثل الهواء والماء وضوء الشمس، فهو ضروريٌّ للحياة، وبدونه يموت الإنسان موتًا روحيًّا، فالعقيدة والدين ليس ضرورةً فحسب، بل هو فطرةٌ تفرض نفسها، وتعدّ جزءًا من حياة الإنسان ووجوده وكيانه، كذٰلك فإن الدافع الأساسيّ للكثير من أفعالنا وسلوكيّاتنا هو الرغبة في الكمال، ولن نجد إنسانًا يرغب في النقص في وجوده؛ ولهٰذا يسعى وبحسب وسعه لإزالة كلّ النقائص عن نفسه؛ ليبلغ كماله المنشود، وكذا فإنّ رغباته الفطريّة لا تتحدّد بحدود الحاجات الطبيعيّة، بل تتجاوزها، ومن جهةٍ أخرى يملك قوّة العقل الّذي يمكنه الحكم على الأفعال الاختياريّة وتقويمها، فيما لو كان مطّلعًا على كمالات الإنسان ومستوياتها، وهٰذا لا يتمّ إلّا برؤيةٍ صحيحةٍ شاملةٍ للكون والحياة، فهٰذه المعارف النظريّة الّتي نسميها العقيدة تشكّل المسائل الرئيسة للرؤية الكونيّة، وهي بدورها تشكّل الحاجة الأساسيّة للإنسان في مسيرته الدنيويّة لنيل الكمال، أدعو الله أن يروي ظمأنا من ماء الكوثر.
س 4: الأستاذ الدكتور كما تعلمون فإنّ عالمنا الإسلاميّ يتعرّض إلى هجمةٍ فكريّةٍ وعقديّةٍ شرسةٍ من قبل فئاتٍ من خارج المنظومة الإسلاميّة، ما هي برأيكم أهم الأسباب لذٰلك؟ وما هي سبل معالجتها؟
الإسلام يتعرّض للهجوم، والأخلاق تتعرّض للهجوم، والعدالة تحت الحصار؛ لأنّ القدرة والسلطة في عالمنا اليوم تنحصر في يد بعض الانتهازيّين الفاسدين الّذين يرون في تعاليم دين الإسلام والأخلاق والعدالة تهديدًا حقيقيًّا لمصالحهم الضيّقة؛ لهٰذا يحاولون بشتّى الوسائل والطرق تشويه صورة الإسلام الناصعة.
فيجب على المسلمين الجهاد؛ يجب علينا جهاد الكلمة بالكلمة، والفكرة بالفكرة، والثقافة بالثقافة، والعلم بالعلم. نحن بحاجةٍ إلى استلهام نهضةٍ إسلاميّةٍ، فلا توجد هناك حاجةٌ لحلولٍ ساذجةٍ وبسيطةٍ، بل نحن بحاجةٍ إلى تنفيذ استراتيجيّةٍ شاملةٍ لإحياء الحضارة الإسلاميّة والمشروع الثقافيّ الإسلاميّ، وهٰذه المسؤوليّة تقع على عاتقنا جميعًا، كلٌّ بحسب إمكانيّاته.
س 5: كيف يمكن مواجهة الفهم الإنحرافيّ لتعاليم الإسلام من الناحية الفكريّة والعقديّة الّتي يطرحها بعض المغرضين والجاهلين بتعاليم الإسلام من داخل المنظومة الإسلاميّة؟
الإسلام نظامٌ منفتحٌ، فينبغي أن نسمح لحرّيّة الفكر ضمن أوسع المعايير الممكنة، وإلّا فإنّ كلّ تقدّمٍ سيختنق. وطالما أنّ المرء سيتّفق على المبادئ الأساسيّة، فإنّ الإسلام سيوفّر له قدرًا كبيرًا من الحرّيّة والمرونة. الإسلام طيّعٌ إلى حدٍّ كبيرٍ وقابلٌ للتكيّف مع تغيّر الأزمنة والظروف، وينتمي بالفعل إلى كلّ عصرٍ، ولا يمكننا فرض المعتقدات والممارسات على الناس، فالإنسان خلق حرًّا.
نحن بحاجةٍ إلى تثقيف الناس، وبحاجةٍ إلى تعزيز التفكير الانتقاديّ، نحن بحاجةٍ إلى تقديم الإسلام كنموذجٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ واقتصاديٍّ سليمٍ، نحن بحاجةٍ إلى التأكيد على أنّ الإسلام ملتزمٌ بالعدالة بكلّ معانيها وتجليّاتها.
س 6: انطلاقًا من السؤال السابق، ما هو الدور الّذي يمكن أن تؤدّيه المؤسّسات العلميّة الدينيّة العقديّة المختصّة، وكذٰلك النخب الفكريّة بهٰذا الخصوص؟
أعتقد أنّه يجب أن نستخدم الإقناع المنطقيّ العقليّ في الحوار مع الآخر، فبدلًا من عرض الإلحاد على أنّه أمرٌ سلبيٌّ، يمكننا استخدام علم النفس المضادّ، والتعامل مع الإلحاد على أنّه أمرٌ إيجابيٌّ. إنّ إعلان "لا إله" هو النصف الأوّل من الشهادة، والملحدون في نصف الطريق هنا، ونحن بحاجةٍ فقط لإدخال "إلّا الله"، وإقناعهم أنّ "محمّدًا رسول الله". وهٰذه هي طبيعة الناس؛ إذ هم يتبنّون معتقداتٍ، فإمّا أن يعتقدوا بشيءٍ صحيحٍ أو أن يعتقدوا بشيءٍ خاطئٍ. فإذا كان الناس يرفضون الدين بناءً على العقل، فإنّهم على الأقلّ يفكّرون، وبالتالي هناك أملٌ.
في بعض الحالات، لا يرفضون الدين في حدّ ذاته أو ينكرون الله في حدّ ذاته، بل يرفضون التفسيرات الّتي أعطيت لهم. وكما يقول الإمام عليٌّ (ع): إنّه لو كان الخيار بين الدين والعقل، فعلى المرء أن يختار العقل؛ لأنّ العقل سوف يقود دائمًا إلى الدين، في حين أنّ الدين لن يؤدّي إلى العقل.
وهٰذا هو السبب في أنّ كتب الشيعة الحديثيّة تبدأ بـ "باب العقل"، في حين أنّ كتب أهل السنّة الحديثيّة تبدأ بـ "باب الإيمان". وليس علينا سوى النظر إلى السلفيّين، والوهّابيّين، والتكفيريّين لمعرفة مدى خطورة التخلّي عن العقل، والاستدلال المنطقيّ، والتفكير الانتقاديّ.
ولا شكّ أنّ المؤسّسات الدينيّة تلعب دورًا حاسمًا في إحياء الإسلام، فهي الطليعة، وهي بحاجةٍ الى أهدافٍ قابلةٍ للتحقيق وقابلةٍ للقياس والتقييم. إنّها بحاجةٍ إلى العمل من خلال التعاون بدلًا من التنافس، ويجب عليها استخدام كلّ الوسائل لإيصال الرسالة إلى عامّة الناس.
س 7: أستاذنا.. من المعضلات الفكريّة والعقديّة الّتي أصابت بعض المجتمعات البشريّة هي مسألة الإلحاد واللادينيّة، ما هي بنظركم أهمّ الأسباب الّتي أدّت إلى انتشار هٰذه الظاهرة والطرق المثلى لمواجهة هٰذه المشكلة والحدّ منها؟
هناك ارتباطٌ واضحٌ بين العلمانيّة والمادّيّة، وهناك صلةٌ واضحةٌ بين الحداثة والإلحاد. فنحن بحاجةٍ لمحاربة الإلحاد بالإيمان، وردّ الشرّ بالخير، ونحن بحاجةٍ إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأفضل طريقةٍ ممكنةٍ. نحن بحاجةٍ إلى أن نبيّن للناس طريقةً أفضل للحياة. فالحياة بدون الروحانيّة مثل وردةٍ من دون مطرٍ تذبل وتموت. ستكون حياةً فارغةً لا معنى لها، جوفاء لا قيمة لها.. إنّها حياةٌ ليست سوى مقدّمةً لموتٍ أبديٍّ.
التوجّه إلى الإسلام وتعاليمه الإنسانية الراقية أفضل من التوجّه إلى زخرف هٰذا العالم الزائل؛ فالإسلام يهب الحياة الأبديّة. يقدّم الإسلام للأفراد الفرصة ليعيشوا حياةً مثمرةً هادفةً، أن يكونوا في هٰذا العالم المادّيّ ولٰكنّهم ليسوا منه.
س 8: كيف يتسنّى لنا ونحن نعيش عصر التطوّر التقنيّ والعلميّ تأصيل الفكر العقديّ لدى شبابنا المسلم، والحفاظ عليهم من الانزلاق والانحراف الفكريّ والعقديّ؟
تحدّثوا إلى الناس بلغتهم، تواصلوا مع الشباب وتحدّثوا إليهم، أشركوهم واعهدوا إليهم بالأمور، الشباب هم مستقبلنا، مستقبل ديننا، ومستقبل كوكبنا يعتمد عليهم. امنحوهم حرّيّة التعبير عن الرأي وحرّيّة الاختيار. يجب أن نحبّب لهم الدين وتعاليمه السامية بوسائل يفهمونها، الطريقة والوسيلة لإيصال تعاليم الدين للشباب مهمٌّة جدًّا.
س 9: من أهداف المشروع الفكريّ والعقديّ لمؤسّسة الدليل تشييد المنظومة الفكريّة على أسسٍ محكمةٍ، من وجهة نظركم ما هي الطرق والأساليب والآليّات لتحقيق هٰذا الهدف؟
أنا أناشد جميع المؤسّسات والمفكّرين والعلماء والمثقّفين والناس العادّيّين لتوطين أنفسهم على المبادئ الأساسيّة والحقوق والحرّيّات الموجودة في عهود النبيّ مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، حيث فيها لآلئ الحكمة. نحن بحاجةٍ إلى مشاركتها مع العالم بكلّ فخرٍ واعتزازٍ؛ إذ إنّها يمكن أن تثرينا جميعًا. إنّها تمثّل سندًا لأمّة محمّدٍ (ص)، وتمهّد الطريق لعودة المنجي العالميّ في آخر الزمان الإمام الغائب المنتظر (عج)، وتمهّد للرجوع المبارك للمسيح (ع).
س10: ما هي وسائل الارتباطات الحديثة المؤثّرة في العقليّة الغربيّة؟
الناس هم نتاج بيئتهم، ومن أجل فهم الفكر الغربيّ، تحتاج إلى فهم التاريخ بأوسع معانيه. فإذا كان الغربيّون قد وصلوا إلى مكانٍ ما من خلال الفكر، فإنّما هو نتيجة لمسارٍ معقّد، والمسارات المختلفة تؤدّي إلى اتّجاهاتٍ مختلفةٍ. فالكثير من الغربيّين تحوّلوا عن الدين لأنّه تحدّى العقل وناقض العلم. وقد كانوا مستائين من الدين؛ لأنّه كان عنصريًّا ومبغضًا للنساء وقمعيًّا، بل أكثر من ذٰلك، فإنّه كان مستغَلًّا من قِبل أصحاب السلطة. وباختصارٍ كان لهم كلّ الحقّ في رفض الدين كمؤسّسةٍ.
يتعيّن على القادة المسلمين أن يتعلّموا من هٰذه الدروس، وإلّا فإنّهم قد يأخذون الناس عن غير قصدٍ بعيدًا عن الإسلام. السياسة والخطط السياسيّة لها عواقب طويلة المدى وغير مقصودةٍ. ومع أنّ الكثير من الغربيّين أصبحوا علمانيّين، غير أنّ الكثير منهم أعادوا ارتباطهم مع مختلف الديانات الروحيّة، بما فيها اليهوديّة والمسيحيّة والبوذيّة والإسلام؛ من أجل أن يعيشوا حياةً أكثر توازنًا. هناك الكثير من المشاكل في الغرب، ولٰكن هناك الكثير من المشاكل في العالم الإسلاميّ أيضًا.
ما لدينا من القواسم المشتركة هو الأمل: الأمل في مستقبلٍ أفضل وأكثر عدالةً، وأن لا نبتعد عن الدين ولا نتخلّى عنه أبدًا.
س11: هل يوجد اليوم في العالم الغربيّ تفكيكٌ بين القراءات المختلفة للدين الإسلاميّ، وتمييزٌ بين الفهم المتشدّد الّذي يتبنّاه الفكر السلفيّ الوهّابيّ لتعاليم الإسلام وبين الفهم المعتدل الوسطيّ الّذي يتبنّاه مذهب أهل البيت (ع) لدى غير المسلمين؟
بالنسبة للكثير من الغربيّين، يُعدّ الفكر التكفيريّ الإسلام بعينه، والإسلام الفكر التكفيريّ بعينه، والمسؤول عن هٰذا التشويه هو وسائل الإعلام؛ نظرًا لأنّها تخدم مصالح أسيادها العالميّين. والكثير من رموز المسلمين أيضًا يتحمّلون مسؤولية تعزيز هٰذه المفاهيم الخاطئة. ولحسن الحظّ هناك العديد من المجموعات، مثل مبادرة العهود [عهود النبيّ مع أهل الكتاب] الّتي تعمل جاهدةً لتصحيح هٰذه المفاهيم الخاطئة؛ لبناء جسور التقارب والتفاهم، وتعزيز التسامح والتعدّدية. نحن بحاجةٍ إلى تعزيز الوحدة في إطار التنوّع، مع وضع القضايا الثانويّة جانبًا، والتركيز على القواسم المشتركة والعالميّة.
نعم ظهرت بوادر لدى بعض المفكّرين والمتخصّصين في الدراسات الدينيّة في التمييز بين الفهم المتشدّد الّذي يتبنّاه الفكر السلفيّ الوهّابيّ لتعاليم الإسلام وبين الفهم المعتدل الوسطيّ الّذي يتبنّاه مذهب أهل البيت (ع) ، ولٰكنّنا بحاجةٍ إلى العمل أكثر لايصال تعاليم الإسلام وفق رؤية اهل البيت إلى مناطق العالم كافّةً.
هل من كلمةٍ أخيرةٍ لقرّاء مجلّة الدليل؟
لهم وافر الشكر والامتنان.
وندعو الله - سبحانه وتعالى - أن يوفّقنا جميعًا في تجاوز هٰذه الأزمنة الصعبة. وضمن كلمات الوداع مع قرّائكم الكرام، فإنّني في الحقيقة أناشدهم وأحثّهم على قراءة عهود النبيّ محمّدٍ (ص) ؛ إذ إنّ هٰذه المصادر الأساسيّة توفّر حلولًا للمشاكل الّتي نواجهها في العالم اليوم.
يمكنكم الإطلاع على العدد بشكل كامل هنا