الدائرة التأويلية وعملية الفهم (الهرمنيوطيقا الفلسفية نموذجًا)
نسرين شاكر حكيم
الخلاصة
تبوأت النظرية الهرمنيوطيقية ومنذ دخولها ساحة الفهم الديني ابتداءً، وسائر ساحات الفهم الإنساني عمومًا، موقعًا مميّزًا جعلها محطّ أنظار الباحثين والمفكّرين، ابتدأت النظرية الهرمنيوطيقية مع الكتاب المقدّس في تبويب فهمه وصيانته عن سوء الفهم، ثمّ إلى كونها أداةً فعّالةً في التعامل مع العلوم الإنسانية ودخولها أخيرًا الميدان الفلسفي الوجودي، وصارت معه تعبيرًا وجوديًّا حاكيًا عن الوجود الإنساني ودليلًا عليه، فهي ضرورة وجودية. ومن المفاهيم المهمّة في النطاق الهرمنيوطيقي مفهوم الدائرة التأويلية الذي يرى أنّ معنى الجمل يتحدّد من خلال المعنى الإجمالي للنصّ والمعنى الإجمالي يكون من خلال مجموع تلك الجمل. فالفهم إذن لا يتمّ متابعته "عموديًّا" من خلال وضع المعتقدات على قمّة الأسس، بل بالأحرى "دائريًّا"، في حركة تفسيرية ذهابًا وإيابًا بين المعاني المحتملة لافتراضاتنا التي تسمح بدورها للمسألة بالظهور. فالسعي وراء الفهم لا يبنى وفقًا لمبدإ "أعلى وأعلى" ؛ بل يذهب "أعمق وأعمق" ، ويصبح "أكمل وأكمل"، وقد كان لهذه الدائرة معنى مميّزٌ في الاتّجاه الفلسفي للهرمنيوطيقا، حيث كان يعتمد على الأحكام المسبقة وتنقيح شروط الفهم للحصول على امتزاج الأفق بصورة صحيحة، وما تميّز به هذا الاتّجاه هو ضرورته الوجودية ولا نهائية الفهم لديه والشروط والأحكام المسبقة. عمد المقال إلى بحث التطوّر التاريخي للنظرية الهرمنيوطيقية، ثمّ بيان مدارسها المهمّة واتّجاهاتها والتعرّف على مفهوم الدائرة التأويلية وتبيانها في الاتّجاه الهرمنيوطيقي الفلسفي.