العلاقة المعرفيّة بين الإنسان والخالق.. تأمّلاتٌ فكريّةٌ
المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني (دام ظله الوارف)
الخلاصة
كيفية العلاقة المعرفية بين الإنسان والخالق من المسائل المهمة والمصيرية التي لها تداعيات وانعكاسات في مصير الإنسان وتكامله؛ كونها الاساس التي يبتني عليها فهم حقيقة الحياة، هذا الفهم الذي يعتبر الباعث الاساس لمختلف سلوكيات الإنسان؛ لانه المحرك الحقيقي لأفعاله لهذا فقد أولت الاديان وبالخصوص الاسلام اهمية كبيرة لهذه العلاقة والرابطة في سبيل توضيحها وتبيينها بالشكل الصحيح وكذلك تمتينها وتقويتها لتاصيلها ودفع ما يعتريها من شبهات وضبابية احيانًا، من هنا كان لنا وقفة مع آية الله العظمى الشيخ جعفر سبحاني حول هذه المسالة الحيوية والمهمة للإستضاءة بعلمه في إستجلاء بعض حقائق هذه العلاقة، وارتأينا ان تكون هذه الإضاءات باسلوب المحاورة والسؤال والجواب لتتناول الجوانب المهمة في هذه المسالة.
سماحة آية الله الشيخ جعفر سبحاني (دام ظلّه الوارف)
السلام عليكم
ابتداءً نتقدّم إليكم بوافر الشكر والامتنان والتقدير لقبولكم عناء إجراء هٰذا اللقاء مع مجلّة الدليل الّتي تصدر عن العتبة الحسينيّة المقدّسة، علمًا أنّ المجلّة فكريّةٌ عقديّةٌ.
س 1: سماحة الشيخ، من خلال تجربتكم وخبرتكم الكبيرة في مجال العقائد، ما هو تقييمكم للمنهج الكلاميّ الإماميّ بشكلٍ عامٍّ، وبماذا يختلف عن المدارس الكلاميّة الأخرى؟
الجواب: المدارس الكلاميّة الرائجة بين المتكلّمين هي المدارس الكلاميّة الثلاث المعروفة:
1 ـ المنهج الأشعريّ.
2 ـ المنهج المعتزليّ.
3 ـ المنهج الإماميّ.
يمتاز المنهج الإماميّ عن الأشعريّ أنّ الثاني لا يقيم للعقل وزنًا في مجال التحسين والتقبيح العقليّين، وينكر قدرة العقل على إدراك ما هو حسنٌ أو قبيحٌ بالذات؛ ولذٰلك جوّزوا كثيرًا من القضايا الّتي ينكرها العقل الحصيف.
هٰذا هو الإمام الأشعريّ يرى أنّ الحسن ما حسّنه الشارع، وأنّ القبيح ما قبّحه الشارع، ثمّ قال: إنّه لو تعلّقت إرادته - سبحانه - بتعذيب الصغير لكان حسنًا، وإليك نصّ عبارته: «فإن قال قائلٌ: هل لله - تعالى - أن يؤلم الأطفال في الآخرة؟ قيل له: لله تعالى ذٰلك، وهو عادلٌ إن فعله... إلى أن قال: ولا قبيح منه أن يعذّب المؤمنين، ويدخل الكافرين الجنان، وإنّما نقول إنّه لا يفعل ذٰلك؛ لأنّه أخبرنا أنّه يعاقب الكافرين وهو لا يجوز عليه الكذب في خبره» [اللمع: 116].
فعلى هٰذا فقد سبّب إنكار هٰذا الأصل فجوةً بين المنهجين، خصوصًا في أبواب النبوّة والإمامة والمعاد. هٰذا بالنسبة إلى المنهج الأشعريّ، وأمّا بالنسبة إلى منهج الاعتزال، فهم وإن كانوا يقيمون للعقل منزلةً ومكانةً، ولٰكنّهم يبالغون في حجّيّته ويقدّمونه على النصوص الواردة في الكتاب والسنّة، ويشهد لذٰلك أنّ المعتزلة اختارت في مرتكب الكبيرة أنّه إذا مات بلا توبةٍ يكون مخلّدًا في النار، ولمّا رأت أنّ هٰذا الأصل لا ينسجم مع القول بالشفاعة، وأنّ شفاعة النبيّ - في ظروفٍ خاصّةٍ - لمرتكب الكبيرة، ونتيجة ذٰلك عدم خلود مرتكب الكبيرة في النار؛ صاروا إلى تأويل روايات الشفاعة الّتي يناهز عددها إلى حدّ التواتر، وأنّ المراد هو رفع الدرجة، وتختصّ بالمؤمنين الّذين فازوا بدخول الجنة.
ومن المعلوم أنّ هٰذا تأويلٌ باطلٌ، مراده أنّ الشفاعة ليست أمرًا خاصًّا بالقرآن الكريم، بل هي فكرةٌ موجودةٌ في كتب الأوّلين وأذهان المتشرّعين، وأنّ الغاية من الشفاعة إنقاذ المذنبين لا رفع درجة المطيعين.
وأمّا المنهج الإماميّ، فإنّه يأخذ بالنصوص الواردة في الكتاب العزيز والسنّة المتواترة، ويعالج وجود التعارض بين العقل وما تقدّم من النصوص؛ ولذٰلك فالمنهج الإماميّ تارةً يجتمع مع المنهج الأشعريّ، وأخرى يفارقه، وكذا بالنسبة إلى منهج الاعتزال، وقد ذكرنا فهرس المسائل الّتي يفارق فيها المنهج الإماميّ عن المنهجين الآخرين في كتابنا (الإلٰهيّات) فی جزئه الأوّل، فلاحظ.
س 2: تطرح في بعض المنتديات العلميّة اليوم مسألة ضرورة تجديد الخطاب الكلاميّ الإسلاميّ عامّةً، والشيعيّ الإماميّ خاصّةً، هل ترون مثل هٰذه الضرورة؟ وما آليّات هٰذا التجديد؟ وهل يكون في المناهج المتّبعة أو في المحتوى؟
الجواب: لا شكّ أنّ كلّ علمٍ في أوّل يومه كان نواةً، ثمّ تكامل حسب مرور الزمان، لا فرق في ذٰلك بين العلوم التكوينيّة والعلوم التشريعيّة، ولا يشذّ عن ذٰلك علم الكلام، فقد كان في أوّل يومه متشكّلًا من مسائل لا تتجاوز عدد أصابع اليد، لٰكنّه أخذ يتطوّر بسبب الاحتكاك مع الحضارات الرومانيّة والفارسيّة وغيرها، فطرأت في المجتمع الإسلاميّ مسائل مستوردةٌ من تلك الحضارات، ولم يزل يتكامل إلى يومنا هٰذا.
والّذي لا بدّ منه هو أنّ الثورة الصناعيّة أوجدت مسائل خاصّةً لم يكون لها مثيلٌ في القرون السابقة، فلا بدّ لمتكلّمي الإسلام مواكبة هٰذه المسائل نقدًا وتحليلًا؛ ولذٰلك قمنا بتأليف كتابٍ من أربعة أجزاءٍ في هٰذا المجال أسميناه (المسائل الجديدة في علم الكلام)، وهو باللغة الفارسيّة، وخرجنا منه بالنتيجة التالية: أنّ علم الكلام علمٌ واحدٌ لم يزل في مسيرة التكامل، وليس عندنا علم كلامٍ قديمٍ وكلامٍ جديدٍ، بل الجميع كلامٌ واحدٌ، ويختلفان بالنقص والكمال في المحتوى لا في المنهج.
س 3: سماحة الشيخ، كيف يمكن النهوض بواقعنا الفكريّ العقديّ في خضمّ ما يحصل من استهتارٍ وفوضى في المعايير الفكريّة الّتي تحاول تقويض الاعتقادات الحقّة؟
الجواب هو ما أبداه السيّد الجليل والمتكلّم البارع العلّامة عبد الحسين شرف الدين العامليّ حيث قال: «لا ينتشر الهدى إلّا من حيث تنتشر الضلال»، فعلى الباحث الإسلاميّ أن يتسلّح بنفس العلوم الّتي تسلّح بها الخصم، فيدخل من حيث دخل، فالّذين رفعوا راية الإلحاد يعتمدون على العلوم النفسيّة والطبيعيّة والتاريخ التحليليّ، فيستنبطون ممّا تعلّموا من تلك العلوم الإلحاد ونفي ما وراء الطبيعة حسب ميولهم، مع أنّ هٰذه العلوم لها وجهان: وجهٌ يعتمد عليه الخصم غافلًا عن الوجه الآخر الّذي يدعو إلى ما وراء الطبيعة.
س 4: سمعتم بظاهرة الإلحاد، وأنّ الداعين إليها يحاولون توظيف المعطيات العلميّة لإنكار وجود الله تعالى، فكيف يمكن لنا مواجهة هٰذه الظاهرة من وجهة نظركم؟
الجواب يُعلم ممّا ما ذكرناه في الإجابة عن السؤال الثالث، فإنّ العلوم المادّيّة تكشف لنا النظام السائد من الذرّة إلى المجرّة، فالمادّيّ يحصر نظره إلى النظام السائد في نفس الظاهرة، ومثلًا يحلّل رؤية الإنسان بالعين بوجود نظامٍ في ذٰلك العضو يعمل بلا إرادة الإنسان، وهٰكذا السمع ومثله سائر الأعضاء.
غير أنّ نظره نظرٌ قاصرٌ، فالإلٰهيّ يعترف بكلّ ما يقول به المادّيّ من الأنظمة الدقيقة في الذرّة والخليّة إلى أن ينتهي إلى المجرّة، إنّما الكلام في معطي هٰذا النظام للعالم المادّيّ صغيره وكبيره، فهل المادّة الصمّاء قامت بنفسها وأعطت لنفسها هٰذا النظام، وهٰذا أمرٌ لا يقبله العقل الحصيف. فإنّ المادّة صمّاء عمياء، فكيف تعرف هٰذا النظام الموجود في كلّ ذرّةٍ؟ ولو قلنا إنّ النظام حصل صدفةً بلا عاملٍ، فهو أفظع شناعةً.
وقد قلنا في بحوثنا الكلاميّة إنّ في تحليل العالم أمورًا مشتركةً بين الإلٰهيّ والمادّيّ، غير أنّ المادّيّ يتوقّف عند تعريف العلل والمعاليل المادّيّة، ولٰكنّ الإلٰهيّ يتسامى إلى العالم العلويّ الّذي زيّن وأعطى هٰذا النظام البديع للعالم المادّيّ (الكون).
س 5: سماحة الشيخ، كيف يمكن فهم الرابطة الوجوديّة بين الخالق والمخلوق؟ وهل هناك مناهج معرفيّةٌ خاصّةٌ يمكن من خلالها فهم هٰذه الرابطة؟ وما هو أسدّ وأفضل طريقٍ إلى معرفة الله؟
الجواب: إنّ الطرق إلى معرفة الله كثيرةٌ حسب أعداد المخلوقات، غير أنّ التعرّف عليها لا يخرج عن منهجين:
الأوّل: التعرّف الإنّيّ، وهو الانتقال من النظام السائد في المعلول إلى موجد النظام ومبدعه، وهٰذه هي المعرفة الإنّيّة، والقرآن الكريم يؤكّد عليها خصوصًا عندما يأتي بتعبير {... ومن آياته}.
الثاني: التعرّف اللمّيّ، وهو مطالعة الوجود بما هو هو، فإنّه لا يخلو عن شيئين: إمّا هو واجب الوجود أو ممكن الوجود، فعلى الأوّل يثبت المطلوب، وعلى الثاني فيستلزم الواجب، لامتناع خروج الممكن عن حدّ الاستواء إلّا بالسبب.
وهٰذان الطريقان هما المشهوران بين المتكلّمين والحكماء، من التعرّف الإنّيّ والتعرّف اللمّيّ، وهناك طريقٌ ثالثٌ مختصٌّ بقسمٍ من الناس، وهو القيام بتصفية النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل، وهٰذا هو المنهج المعروف بالإشراق، وسلوك الإنسان على هٰذا المنهج يسبّب انكشاف الحقائق انكشافًا لا شكّ فيه. وسلوك هٰذا الطريق بلا معلّمٌ أمرٌ غير ممكنٍ.
س 6: من المسائل الشائكة الّتي يصعب فهمها غالبًا مسألة معيّة الله - تعالى - لمخلوقاته، كيف يمكن للإنسان فهم هٰذه المعيّة الإلٰهيّة؟
الجواب: لا شكّ أن قوام الممكن بالواجب، الذيي يُعبر عنه قيامٌ قيّوميّ، أشبه بقيام الصور الذهنيّة بالنفس الناطقة، على وجهٍ لو فرض انقطاع الصور عن النفس لعمّها العدم وغطّتها الظلمة.
لا شكّ أنّ بيننا وبين الله - سبحانه - معيّةً لا تنكر، قال سبحانه: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ﴾ [سورة الحديد: 4]، وقال سبحانه تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [سورة المجادلة: 7] ولٰكنّ هٰذه المعيّة ليست معيّةً مكانيّةً، بل هي معيّةٌ قيّوميّةٌ، بمعنى قيام العالم الإمكانيّ بالواجب سبحانه، ويفيض الوجود عليه في عامّة الآنات واللحظات، وإن أردت التمثيل فافترض الضوء الصادر من المصباح، فهو بظاهره منيرٌ ومستنيرٌ، ولٰكنّه يستمدّ بقاء ضوئه ونوره بسبب الاتّصال بمولدة الكهرباء، على نحو لو فرض الانقطاع بين المصباح والمولّدة لعمّت الظلمة الغرفة.
س 7: سماحة الشيخ، ورد في النصّ الدينيّ أنّ الله - تعالى - قريبٌ جدًّا من أكرم مخلوقاته وهو الانسان؟ فهل هٰذا القرب الإلٰهيّ مختصٌّ بالإنسان دون باقي المخلوقات؟ أو هو على حدٍّ سواءٍ كباقي المخلوقات؟
الجواب: يعلم ممّا سبق، فإنّ المعيّة مقتضى كون الظاهرة أمرًا إمكانيًّا، والممكن في حدوثه وثباته رهن استمداد الوجود من علّته، وهٰذا لا يختصّ بالإنسان فقط، بل دائرة الإمكان كبيرها وصغيرها رهن استمداد الوجود من علّته حدوثًا وبقاءً؛ ولذٰلك لا فرق بين الإنسان وغيره من الموجودات؛ ولذٰلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [سورة ق: 16].
س 8: كما هو مشهورٌ فإنّ الغاية النهائيّة لخلقة الإنسان والكمال النهائيّ الّذي يمكن أن يصل إليه الإنسان هي الوصول إلى القرب الإلٰهيّ، فما هو المراد من هٰذا القرب؟
الجواب: أنّ القرب مكانيٌّ ومعنويٌّ، أمّا القرب المكانيّ فهو غير معقولٍ؛ لأنّه من صفات الموجودات المادّيّة، فانحصر المراد بالقرب المعنويّ، بأن يصل الإنسان في حياته وسلوكه إلى حدٍّ يحكي بعلمه علمه سبحانه، وبعدله عدل الله سبحانه، حتّى يكون خليفة الله في أرضه، فالسالك إذا سلك المسالك الأربعة الّتي أوضحها صدر المتألّهين في الجزء الأوّل من الأسفار يكون إنسانًا كاملًا مضاهيًا للعالم كلّه، ويصل إلى مقامٍ يصدق عليه ما روي عن الإمام الباقر في الحديث القائل: «إنّ الله - جلّ جلاله - قال: ما يتقرّب إليّ عبدٌ من عبادي بشيءٍ أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه، وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ولسانه الّذي ينطق به، ويده الّتي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته» [وسائل الشيعة، ج 4، ص 72].
س 9 : هناك رواياتٌ كثيرةٌ تشير إلى أنّ معرفة الله - تعالى - أمرٌ فطريٌّ، فما هو المراد من المعرفة الفطريّة بالله تعالى؟ وهل تعدّ من العلم الحضوريّ أو الحصوليّ؟ وهل يعتريها الخطأ أو إنّها غير قابلةٍ للخطإ؟ وهل يمكن إقامة دليلٍ عقليٍّ مقنعٍ لمعرفة الله - تعالى - على أساس الفطرة؟
الجواب: أنّ إدراكات الإنسان تنقسم إلى نوعين:
1- الإدراكات الّتي هي وليدة العوامل الخارجيّة عن وجود الإنسان، بحيث لولاها لما وقف الإنسان عليها بتاتًا، مثل ما اكتشفت من قوانين الفيزياء والكيمياء والهندسة.
2- الإدراكات النابعة من داخل الإنسان وفطرته من دون أن يتدخّل في الإيحاء بها عاملٌ خارجيٌّ، كمعرفة الإنسان بنفسه وإحساسه بالجوع والعطش، ورغبته في الزواج في عمرٍ معيّنٍ، والاشتياق إلى المال والمنصب في حياته، تلك المعارف - وإن شئت سمّيتها الأحاسيس - تنبع من ذات الإنسان وأعماق وجوده، وعلماء النفس يدّعون أنّ التوجّه إلى المبدإ الأوّل داخل تحت هٰذا النوع من العرفان، وعلماء النفس يعتقدون أيضًا بأنّ للنفس الإنسانيّة أبعادًا أربعةً يكون كلّ بُعدٍ منها مبدأً لآثارٍ خاصّةٍ:
1 ـ حبّ الاستطلاع واكتشاف الحقائق.
2 ـ حب الخير والنزوع إلى البرّ والمعروف.
3 ـ عشق الإنسان وجنوحه إلى الجمال في مجالات الطبيعة والصناعة.
4 ـ الشعور الدينيّ الّذي يتأجّج لدى الشباب في سنّ البلوغ، فيدعو الإنسان إلى الاعتقاد بأنّ وراء هٰذا العالم عالمًا آخر يستمدّ هٰذا العالم وجوده منه، وأنّ الإنسان بكلّ خصوصيّاته متعلّقٌ بذٰلك العالم ويستمدّ وجوده منه. وهٰذا البعد الرابع الّذي اكتشفه علماء النفس في العصور الأخيرة وأيّدوه بالاختبارات المتنوّعة ممّا ركّز عليه الذكر الحكيم قبل قرونٍ، وأشار إليه في آياته المباركات. إنّ هٰذا النوع من الإدراك أمرٌ يقينيٌّ لا يقبل الخطأ، ولا يشكّ الإنسان في صحّته.
س10 : سماحة الشيخ، هناك آياتٌ قرآنيّةٌ تؤكّد على أنّ الله - تعالى - تجلّى لبعض مخلوقاته؟ كيف يمكن لموجودٍ مطلقٍ أن يتجلّى في مخلوقٍ محدودٍ؟
الجواب: لم نعثر في القرآن الكريم أنّه تجلّى للبشر، وإنّما الموجود هو تجلّيه للجبل. قال سبحانه: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا﴾ [سورة الأعراف: 143].
والظاهر أنّ المراد هو تجلّي الله للجبل بقدرته، نعم السالك إلى الله - سبحانه - تنكشف له عوالم كثيرةٌ وراء الطبيعة.
س 11: سماحة الشيخ، هل من كلمةٍ أخيرةٍ تقدّمها للقرّاء؟
الجواب: الّذي اقترحه على الأساتذة الكرام في هٰذه المؤسّسة وهيئة التحرير لهٰذه المجلّة الرائعة، هو رفع المستوى العلميّ في عامّة المقالات، ورصد الشبهات الّتي تبثّها وسائل الإعلام المعادية للإسلام والتشيّع، والإجابة عنها عند طرحها في مجمعٍ علميٍّ ذي مقدرةٍ علميّةٍ عاليةٍ.
وكذٰلك أدعو القرّاء الكرام إلى متابعة مقالات المجلّة وما يصدر عن المؤسّسة من مؤلّفاتٍ قيّمةٍ، والتواصل معها بأقلامهم وأفكارهم، فإنّ العلم رهن البحث وتبادل وجهات النظر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يمكنكم الإطلاع على العدد بشكل كامل هنا