04 December 2024
الشيخ الأستاذ محمد ناصر: نزاعنا مع الإلحاد معرفيٌّ عقليٌّ سابقٌ على الدين

الشيخ الأستاذ محمد ناصر: نزاعنا مع الإلحاد معرفيٌّ عقليٌّ سابقٌ على الدين

أكّد مسؤول وحدة الإلهيّات في مؤسّسة الدليل للدراسات والبحوث العقديّة التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة الأستاذ الشيخ محمد ناصر أنّ نزاعنا مع المنظومة المادّيّة والإلحاد ليس نزاعًا دينيًّا عامًّا أو خاصًّا في أساسه وجوهره، بل هو نزاعٌ معرفيٌّ عقديٌّ عقليٌّ سابقٌ على الدين الخاصّ والعامّ.

وأوضح الشيخ محمد ناصر في محاضرةٍ له بعنوان "الإلحاد مناشئه وأسبابه" ألقاها على أساتذةٍ من أكاديميّة الوارث للتنمية البشريّة والدراسات الاستراتيجيّة التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة، ضمن الدورة الّتي تقيمها مؤسّسة الدليل تحت عنوان "دورة في أساسيات التربية الفكريّة والتعليم العقدي"؛ "أنّ النزاع حول كيف ينبغي أن نفكّر وكيف ينبغي أن نعمل. وهو نزاعٌ حول وجود قانونٍ عقليٍّ موضوعيٍّ للتفكير، وقانونٍ عقليٍّ موضوعيٍّ للسلوك، أمّا النزاع على الدين فهذا تفصيلٌ، إذا ما حسم النزاع الأول، هان حسم النزاع الثاني".

وأشار إلى أنّ "المادّيّين يريدون أن يوهمونا ويوهموا أنفسهم أنّ النزاع هو حول الدين وتفاصيله. وهذا ليس بصحيحٍ إلّا في حالةٍ واحدةٍ، وهي أن تكون المنظومة اللاهوتية نفسها لا ترى وجود قانونٍ عقليٍّ للتفكير كحاكمٍ مطلقٍ، ولا تعترف بقانونٍ عقليٍّ للسلوك كحاكمٍ مطلقٍ، في هذه الحالة يكون النزاع الحقيقيّ بينهما حول التفصيل؛ لأنّهما متّفقان على نفي تلك الأسس، ولكن في هذه الحالة سيكون كلا الطرفين يستحقّان النقد وبحاجةٍ إلى التعليم والتفهيم".

ولفت الشيخ محمد ناصر إلى أنّ "الإلحاد تحوّل من مجرّد ظاهرةٍ محدودةٍ إلى ظاهرةٍ اجتماعيّةٍ منتشرةٍ، وذلك عندما أصبح الإلحاد جزءًا من منظومةٍ مادّيّةٍ متكاملةٍ نجحت إلى حدٍّ كبيرٍ في جعل المجتمعات من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب تسير طبقًا لتعاليمها المعرفيّة والعقديّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة".

وتابع أن "المنظومة المادّيّة الحديثة قد جاءت كردّة فعلٍ وكبديلٍ عن المنظومة اللاهوتيّة المسيحيّة الكاثوليكيّة، الّتي مهّدت لظهورها من خلال الفشل في قيادة الحياة الإنسانيّة، غير أنّ المنظومة المادّيّة أرادت أن تعمّم تجربتها لتكون بديلًا عن أيّ نوعٍ من أنواع المنظومات اللاهوتيّة".

وعدّ مسؤول وحدة الإلهيّات في مؤسّسة الدليل أنّه "بعد الإعراض عن الميتافيزيقا ورفض الصدق المطلق لأوّليّات العقل، أصبحت الطريق ممهّدةً أمام استغلال المادّيّين للنظريّات العلميّة في الفيزياء والأحياء؛ لإبرازها كمضادّةٍ ومناقضةٍ للمنظومات اللاهوتيّة مهما كان نوعها. وقد أضيف إلى ذلك أنّهم سخّروا كلّ قدراتهم لدراسة الظاهرة الدينيّة تاريخيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، وقاموا بتفسير ما جمعوه من بيّناتٍ وآثارٍ، انطلاقًا من الخلفيّة المادّيّة عن الإنسان والحياة، وهذا ما مكّنهم من إبراز بشريّة الدين بلباسٍ علميٍّ".

ونبّه الشيخ محمد ناصر إلى أنّه "بعد نجاح المنظومة المادّيّة في السيطرة على مقاليد التعليم ومراكز البحث العلميّ، ونظم الاقتصاد والسياسة والاجتماع والإعلام، بالإضافة إلى انضمام وسائل المواصلات والتواصل والنشر والإعلام، كانت النتيجة أن تمكّنت المنظومة المادّيّة من الاجتياح المعرفيّ والثقافيّ لمجتمعاتنا، وجعل الرؤى التجريبيّة والليبراليّة والنفعيّة والرأسماليّة مشهوراتٍ عصريّةً ومسلمات مفروغًا عن صحّتها، ونصّبت رموزها كمرجعياتٍ علميّةٍ وعمليّةٍ، فشغلت أكثر الناس بأهدافها، وقوّضت قدرتهم على الاهتمام بمراعاة تكاملهم المعنوي في المعرفة والعقيدة والسلوك، فضعف حضور الدين في حياتهم اليوميّة بنحوٍ حيٍّ وفاعلٍ، ممّا ساعد في جعل الارتباط بالعقيدة اللاهوتيّة هشًّا مبنيًّا على العاطفة والتقليد الأعمى. وهذا بدوره ما جعل الطريق أمام ضرب أسسها في نفوس الناس سهلًا يسيرًا".

وختم قائلًا إنّ "الإلحاد قد قدّم نفسه زورًا أنّه نتيجة منطقيّة لما دعوه بالعِلمويّة أو العقلانيّة العلميّة، وكمظلّةٍ نمت تحت فيئها عناصر التطوّر والرقيّ الّذي نحيا فيه، وفي المقابل عدّ افتراءً أنّ المنظومات اللاهوتيّة عناصر تهدّد بقاءه ونموّه متناسيًا أنّ المشكلة في حقيقتها هي مشكلةٌ بشريّةٌ صرفةٌ ألقت بثقلها على المجتمعات الإنسانيّة بكلّ انتماءاتها".

تحميل الكتاب

محرر الخبر: عقيل زعلان

تعليقات الزوار

سجل بريدك الإلكتروني لتتلقى أهم أخبار المؤسسة وإصداراتها

قالوا في المؤسسة

مراكز متعاونة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الدليل