27 July 2024
كلمة رئيس مؤسسة الدليل في مؤتمر هدم الآثار محوٌ لحضارة الأمم

كلمة رئيس مؤسسة الدليل في مؤتمر هدم الآثار محوٌ لحضارة الأمم

ينشر موقع مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية، نص الكلمة التي ألقاها رئيس المؤسسة الشيخ صالح الوائلي خلال مشاركة وفد من المؤسسة في مؤتمر هدم الآثار محوٌ لحضارة الأمم الذي أقامته العتبة الحسينية في مدينة كربلاء المقدسة يوم الخميس الماضي الموافق 20/7/2017، وعلى قاعة سيد الاوصياء عليه السلام في الصحن الحسيني المقدس بحضور سماحة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وعدد كبير من الشخصيات المختصة والدولية والدينية وكوكبة من الشخصيات الإعلامية.

نص الكلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين أبي القاسم المصطفى محمّدٍ وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين.

السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين الّذين بذلوا مهجهم دون الحسين.

الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

باسم اللجنة التحضيريّة واللجان المتفرّعة عنها، نرحّب بالسادة الحضور الّذين شرّفونا في مؤتمرنا هذا، سائلين المولى - عزّ وجلّ - أن يكون لحضوركم الطيب بارقة أملٍ لإعادة بناء آثارنا المحطّمة بأيدي القوى الظلاميّة المندفعة بحقدها وفكرها الضالّ.

أيها الحضور الكريم ... بدايةً نعزّي صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومراجعنا العظام (أدام الله ظلّهم الوارف) ونعزّيكم سادتي الحضور جميعًا بالمناسبة الأليمة لاستشهاد الإمام جعفرٍ الصادق (عليه السلام).

سادتي الأكارم ... بعد الانتصارات الباهرة التي حققتها قواتنا المسلحة الباسلة على طغمة الشر الداعشي، وبعد الخراب الذي خلفه هؤلاء المتخلفون فكريا لاسيما الاعتداءات السافرة على الآثار الإنسانية والإسلامية،ينبغي لنا كمتصدين القيام بمسؤوليتنا الوطنية والدينية في الذود عن إرثنا الثقافي والحضاري وحماية آثارنا لمنع تتكرار مثل هذه الجرائم النكراء، سائلين المولى عز وجل أن يكون لقاءنا في هذا المؤتمر خطوة مباركة في طريق تحقيق ما نصبو إليه.

أيها الحضور الكريم ...كلّنا يدرك ما للآثار - بصورةٍ عامّةٍ - من أهمّيّةٍ بالغةٍ في تشكيل هويّة المجتمعات البشريّة، وتحديد العمق التاريخي لها ومدى أصالتِها الحضاريّة والثقافيّة؛ لكونها الوثيقة المادّيّة الّتي يَصعَبُ تزويرها. وللآثار كذلك دورٌ كبيرٌ في تقدّم الشعوب ورقيّها؛ لأنّها نتاجٌ معرفيٌّ كبير لتجربةٍ تأريخيةٍ خاضها الأوّلون، كما أنّ للآثار دورًا معرفيًّا وتربويًّا لا يُغفل في مجال ترسيخ المعاني والقيم الدينيّة والإنسانيّة.

وقد حثّ القرآن الكريم على النظر في عاقبة الأقوام السابقين للعظة والعبرة، قال تعالى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، وليس هناك وسيلة للنظر في عاقبة الأقوام السالفة غير آثارهم ومعالم حضاراتهم.

من هنا ينبغي لنا أن نعمل على تأمين هذه الثروة الإنسانيّة الثمينة من التلف والضياع، والعمل على إعادة بناء ما خرّبته أيدي العابثين المستهترين بالحقوق والممتلكات الإنسانيّة العامّة.

علينا - أيّها المؤمنون - أن لا ننسى الاعتداءاتِ المتكرّرةِ على إرثنا الحضاري، لا سيّما الجرائم البشعة التي أقدمت عليها زُمرُ الجهل والتعصب ضدّ دور العبادة وأضرحة الأنبياء والصالحين والمراقد الشريفة لأئمة المسلمين والصحابة الأجلّاء (صلوات الله تعالى ورضوانه عليهم أجمعين)على مر التأريخ.

وعلينا الوقوف بوجه السلوكيات المتخلفة التي تستهدف تراثنا الحضاري بكلّ ما لدينا من قوّةٍ وإمكاناتٍ للحدّ من استمرار هذا الاستهتار اللاديني واللاإنساني، على غرار ما حصل للآثار التأريخية القيمة في بلدنا العزيز العراق وبعض الدول الأخرى.

سادتي الكرام ... من الضروري الالتفات إلى أن جذر هذا السلوك التدميري للآثار الدينية لاسيما مراقد الأولياء والصالحين يرجع إلى فكرةٍ خبيثةٍ مستورثةٍ من العقليّة الأمويّة الطامعة بالتسلط على رقاب المسلمين، وقد سعت طيلة حكمها اقصاء الرموز الدينية الشريفة بكل والوسائل والطرق الخسيسة، فمارست القتل وسفك دماء الأبرياء من الأولياء والصالحين وحاولت تبرير جرائمها بأن هؤلاء خوارج ومارقين، بيد أن هذه الخدعة لم تنطل على المسلمين المحبين لرموزهم الدينية فازدادوا لصوقا وتمسكا بهم من خلال زيارة قبورهم والتوسل إلى الله تعالى بهم، وعندما وجدوا أن سعيا لشتى وأنهم فشلوا في إقناع الناس بخدعتهم عادوا - كعادتهم - إلى خداع جديد، فرفعوا شعار التوحيد زورًا وبهتانًا، مستعينين بالمرتزقة من وعّاظهم وفقهائهم؛ ليفتوا لهم بشرك كل مَن زار القبور الشريفة للأولياء والصالحين وتوسّل بهم إلى الله، ومن أجل إحكام شِراكِهم على بعض السذّج المنخدعين من المسلمين، أظهروا حرصهم الزائف على عقيدة التوحيد وتباكوا عليها، فدعوا إلى ضرورة هدم القبور الطاهرة بحجة إزالة مسبّبات الشرك حسب دعواهم، وتوارث الخلف حقد السلف، وسارت في عروقهم تلك الحمية والعصبية، فقاموا بجرائم هي أبشع مما سبق فقد استباحوا التراث العظيم وحطموا آثار المسلمين وغير المسلمين، والعالم بأجمعه شاهد على تلك الجرائم ورأينا بأم أعيننا كيف أن المساجد والكنائس ودور العبادة لكل الاديان والطوائف تحطم وتهدم دون أية مبالاة ولارحمة، كما لايمكن ان ننسى ماحدث في بداية القرن العشرين من هدم للقبور الطاهرة في مقبرة البقيع، متجاهلين بل مستخفّين بمشاعر ملايين المسلمين ـ سنّةً وشيعةً ـ من المحبّين لأهل بيت رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) ، مستندين في ذلك إلى حججٍ واهيةٍ مخدوشةٍ عقلًا وشرعًا وعرفًا.

أساتذتي وأخوتي الكرام.. لا شكّ أنّ هناك استنكاراتٍ وشجبًا لما يحصل من جرائم بحقّ ميراثنا الدينيّ والثقافيّ، وهناك مطالباتٌ كثيرةٌ لاستعادة بناء ما خرّبه الظالمون، ولكن علينا أن ندرك حقيقةً هي أنّ الاعتداءات سوف تستمرّ، ولن تتوقّف ما دام هناك مصانع لإنتاج هذا الفكر الضالّ وتعليبه وتسويقه بين المجتمعات المتخلفة.

لذا فإننا ندعو جميع الخيرين في العالم ومن هذا المكان المقدس إلى العمل بجدّيّةٍ والتوسّل بكل الطرق المتاحة، لاسيّما الطرق القانونيّة؛ لإيقاف هذا السلوك العدواني اللاأخلاقي، ، ومن الضروريّ جدًّا توعية المجتمع وتثقيفه على مكانة الآثار وأهمّيّتها وقيمتها التاريخيّة والحضاريّة، والدعوة إلى تكريس المطالبة الجماهيريّة بوقف الاعتداءات وتحرير الآثار من أيدي العابثين، من خلال الإعلام ومنظّمات المجتمع المدنيّ.

ومن هنا انبثقت فكرة إقامة هذا المؤتمر، ولكي يكون بمستوى الطموح ولا تذهب الجهود المبذولة فيه سدًى، ولإعطاء فرصةٍ أكبر للمشاركة الحقيقيّة والفاعلة الّتي نرجوها، فقد توصّل الإخوة المنظّمون للمؤتمر إلى صيغةٍ فنّيّةٍ رائعةٍ لإقامته، تدلّ على حسن تدبيرهم وحرصهم على إنجاحه، وهي أن يكون المؤتمر على مرحلتين، مرحلةٍ تمهديّةٍ محلّيّةٍ، وها نحن نعيش لحظاتها الآن، ومرحلةٍ دوليّةٍ يتمّ تنفيذها - إن شاء الله تعالى - بعد حين، ونعني بالمرحلة التمهيديّة المرحلةُ الّتي يُطرحُ فيها موضوعاتٌ ومحاورُ بصورةٍ عامّةٍ؛ لتكون تفاصيلها في مرحلة المؤتمر الدوليّ القادم، ولتكون لدينا فرصةٌ كافيةٌ لوضع الخطط ودراستها في هذه المرحلة وما بعدَها، ولضمان تحقيق نجاحٍ أكبر في المؤتمر الدوليّ العامّ المقبل إن شاء الله تعالى، كما أنّ هذه المرحلة تعدّ إعلانًا كبيرًا بحضور جمعٍ من السادة والسيّدات الأفاضل للمشاركة الفاعلة في المؤتمر الدوليّ العامّ.

أما في إطار تشكيل لجان المؤتمر، فقد تم ـ بحمد الله تعالى ـ تشكيل اللجنة التحضيرية العليا المكلفة بالاشراف على المؤتمر ومتابعة اللجان الفرعية وتنفيذ التوصيات، وهي مؤلفة من أربعة أساتذة من قسم النشاطات العامة واكاديمية الوارث ومؤسسة الدليل.

ثم تم تشكيل أربعة لجان فرعية على ضوء محاور المؤتمر التي هي أربعة كالتالي:

أولا: المحور الفكري ، تم تشكيل لجنة من الأساتذة المتخصصين بالفكر والعقيدة من كادر مؤسسة الدليل، مهمتهم طرح الموضوعات التي تبين المناشيء الفكرية للسلوك العدواني إزاء الآثار، وأهم المعالجات لها.

ثانيا: محور التراث والآثار: قد تم تشكيل لجنة من الاساتذة المتخصصين بالآثار من أكاديميِّ وأساتذة الجامعة المستنصرية وجامعة بغداد، مهمتهم تقديم دراسات خاصة تحدد قيمة الأثر والبيئة المجتمعية التي وجد فيها.

ثالثا: المحور التأريخي: وقد تم تشكيل لجنة من الأساتذة المتخصصين بالتأريخ من تدرسيّ وأساتذة جامعة الكوفة، مهتهم تقديم دراسات توضح السير التاريخي لكل أثر.

رابعاً: المحور القانوني: تم تشكيل لجنة من الأساتذة القانونيين من أساتذة جامعة كربلاء ومركز الدراسات الاستراتيجية، وتقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة وهي تقديم دراسات حول المواد القانونية في القانون العراقي والدولي التي من شأنها إدانة تلك الأعمال الإجرامية، وملاحقة المجرمين قضائيا.

هذه أفكارنا نضعها بين أيديكم الكريمة - سادتي الأفاضل - ساعين لتنضيجها والخروج بنتائج عمليّةٍ ضمن استراتيجيّةٍ مدروسةٍ في هذا الصدد؛ من هنا جاءت دعوتنا لحضراتكم إيمانًا منّا بأنّ سرّ نجاح أيّ عملٍ هو المشورة وإشراك العقول النيرة، آملين من كلّ الشخصيّات والمؤسّسات المهتمّة بهذا الشأن التعاون معنا، لتتظافر الجهود من أجل إنجاح هذا المشروع الحيويّ، واستعادة ما يمكن من حقّنا الطبيعيّ في حماية ميراثنا الدينيّ والثقافيّ، ونزعه من أيدي الجهلة والحاقدين؛ ليكون تحت حماية منظمات دوليّة، ولمنع تكرار مثل هذه الممارسات الحمقاء عليه.

وفي الختام كلمتنا، نشكر الله – سبحانه وتعالى - أوّلًا وآخرًا أن وفّقنا لهذه الفرصة الطيبة وجعلنا من المساهمين في هذا المشروع الخيّر، كما ونشكر الراعين للمؤتمر وعلى رأسهم المتولّي الشرعيّ للعتبة الحسينيّة المقدّسة سماحة الشيخ عبدَ المهدي الكربلائي (دام عزّه) ، ونشكر أيضا كلّ الأساتذة الّذين لبّوا دعوتنا، وقبلوا الانضمام إلى لجان المؤتمر بالرغم من إلتزاماتهم ومشاغلهم الكثيرة، وشكرنا وتقديرنا لممثلي الهيئات الحكومية وغير الحكومية الذين شرفونا بحضورهم، وكذا شكرنا وتقديرنا للكوادر الفنّيّة والإعلاميّة والإداريّة المساهمة معنا في إقامة المؤتمر وإظهاره بالصورة الّتي نطمح إليها، والشكر موصول لكم سادتي الحضور جميعًا؛ آملين منكم المشاركة الفاعلة في سبيل إنجاح هذا المشروع المبارك.

سائلين الله - تعالى - أن يَشُدّ على أيدي العاملين ويسدّدهم لإنجاز مشروعنا هذا كما يحبّ ويرضى، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم وذخرًا للعاملين في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين أبي القاسم محمّدٍ وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين.

تحميل الكتاب

محرر الخبر: عقيل زعلان

تعليقات الزوار

أخبار مختارة
سجل بريدك الإلكتروني لتتلقى أهم أخبار المؤسسة وإصداراتها

قالوا في المؤسسة

مراكز متعاونة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الدليل