حوار مع مؤلف
حوار مع الدكتور عدنان هاشم الحسيني
في كتابه "إشكالية المتخيل في التراث الإسلامي"
أولا: ما الفكرة العامة للكتاب؟ ويا حبذا بيان شيء عن فصوله؟
يتناول الكتاب الفكرة التي طرحها بعض الحداثيين، وهي فكرة المتخيل في النظر إلى التراث، ومضمونها اعتبار أكثر النصوص المقدسة (القرآن والسنة) نابعة من مخيلة علماء الإسلام وليست واقعية. وكان النموذج الذي انطلقنا في البحث من خلاله كتاب "جدل التاريخ والمتخيل.. سيرة فاطمة" للكاتب بسام الجمل، وأساس البحث يعتمد على ركيزتين أساسيتين وهما: بيان المتخيل - سواء قلنا نظرية أو إشكالية - عرضا ونقدا، ثم الرد على بعض ما ذكره الكاتب حول شخصية السيدة الزهراء (عليها السلام).
أما الفصول فلقد بينا في الفصل الأول مفاهيم "الخيال" و"المخيلة" و"المخيال" و"الواقع" و"الحقيقة" وكل ما له دخالة في البحث، كحقيقة الإدراك الخيالي وفوائد المتخيلة ومضارها والفكر الأسطوري؛ لوضع النقاط على الحروف كما يقال، وبيان الخلط واللبس الذي وقع فيه هؤلاء وأوقعوا فيه القارئ.
وفي الفصل الثاني تطرقنا إلى مناهج البحث في التراث وذكرنا بعض أهم تلك المناهج كالمنهج النصي والمنهج العقلي وحدود العقل البرهاني، والعلاقة المعرفية بين العقل والنص الديني (الروايات)، ومنهج الاستقراء والعلاقة بنظرية الاحتمال، ونهج الاستناد إلى النصوص الأدبية، والمنهج التأويلي.
ولقد كان الفصل الثالث يتمحور حول نظرية المتخيل، فكتبنا ملمحا عاما حول النظرية، ثم تطرقنا إلى نقدها وتفكيك محتوياتها، مع بيان للنص وأهميته في الإسلام، وكيفية ضبطه ليكون مطابقا مع معايير العقل في مطابقة الواقع والصحة، ومدى اهتمام علماء الإسلام به، وأنهم كانوا في عملية بحث تراكمي يعتمد على ثنائية النقد والإنتاج، ونقد القديم وإنتاج الجديد (التأصيل).
وفي آخر المطاف وصلنا إلى الغاية من الكتاب، وهو التطبيق التعسفي لإشكالية المتخيل في تناول حياة سيدة نساء العالمين السيدة الزهراء (عليها السلام). فذكرنا نماذج مما اعتبره الكاتب "مخيالا"، ثم تم نقدها والرد عليها، وتفكيك أوليات دوافع الكاتب فيما قام بتسطيره من إشكالات.
ثانيا: ما أهم الدوافع التي حفزت الكاتب للتأليف في الموضوع؟
لا شك أن من أهم وظائف طالب العلم سواء الحوزوي أو الأكاديمي البحث عن الحقيقة والحق، وبيانه للناس، ونشر العلم والثقافة، ثم الدفاع عن قيم الأمة وعدم السماح للغزو الفكري والثقافي لان يجتاح أمتنا، ولا شك في أن هذه أهم وظائف النخبة في المجتمعات. وأرجو أن أكون قد شاركت في بيان بعض الالتباس في بحث تراثنا الإسلامي، وما يهمني فعلا بشكل كبير هو أن لا أحسب على فئة المتزمتين الذين لا يقبلون نقدا للتراث بأي صورة من الصور، وكل ما هنالك أني من الداعين إلى الالتزام العلمي في بحث التراث، وعدم الانسياق مع كل فكرة تطرح في الساحة الفكرية العالمية بشكل دوغمائي. وقد تجد أننا ذكرنا الحداثة والحداثيين بشكل ناقد، ولكن ليس معنى هذا أننا ضد الحداثة من منطلق أيديولوجي منغلق يرسم لنا اختياراتنا دون وعي، ولكن ضد تمثل الحداثة بشكل مطلق فاقد للخيار في القبول والرفض لبعض العناصر غير المنسجمة مع الانتماء الحضاري. وبالتالي فإن الانتماء يفرض على المنتمي - وبشكل واع طبعا - اختيار ما يغذي الذات، مما قد يشكل أعراضا ذاتية للإنسانية، ويلفظ ما يجده عرضا غريبا غير منسجم.
إن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده أو حتى عبد الرحمن الكواكبي، استطاعوا أن يفصلوا بين ما ينسجم وما لا ينسجم، فكانت خياراتهم حرة، واختياراتهم من الحداثة منسجمة، ولا شك أن الإنسان ديدنه الفعل والانفعال، ولكن الانفعال ينبغي أن يكون إيجابيا، ثم يتحول إلى أفعال بناءة متلائمة مع الوعي الحضاري للأمة بماضيها، ومواكبا لبناء المستقبل على أسس أصيلة، فهو تمثل لمعطيات الخارج (الحداثة) من الداخل، وليس تمثلا لتلك المعطيات من الخارج أيضا.
ثالثا: كم استغرق تأليف الكتاب؟ وما أهم المشاكل والتحديات التي واجهت الكاتب في ذلك؟
استغرق الكتاب ما يقارب ثلاث سنوات، وكانت المعاناة في الحصول على المصادر؛ لأن الساحة الفكرية حديثة عهد بهذا الموضوع؛ ولذلك فقد كنت أبحث حتى في المكتبات الشخصية للأصدقاء عن الكتب أو المقالات التي قد تكون ذات صلة بموضوع البحث، هذا بالإضافة لمروري المتواصل على شارع المتنبي ببغداد؛ لعلي أجد المصادر المفيدة.
وهناك معاناة أخرى تخص الانشغالات الشخصية وأداء الوظائف العلمية الأخرى في الجامعة من تدريس وإشراف على الرسائل والأطاريح العلمية؛ مما يأخذ وقتا ليس بالهين، ومعروف أن التأليف يحتاج إلى تفرغ كاف من أجل إعطاء البحث حقه؛ لأن العمل الفكري لا يمكن حصره في ساعات معدودة تقضيها في المؤسسة، بل تبقى الفكرة تعتمل في الذهن ولا تقيد بزمن معين وتفرض تساؤلات تطلب الإجابة، ويعيش الباحث قلق السؤال إلى أن تكتمل اللوحة الفكرية بما يروي عطش الفكر، وبالتالي فإن الكاتب - أي كاتب - يظل يعاني آلاما لا يعرفها غير من مارس الكتابة والتأليف، والقضية الكبرى في التأليف شعور المؤلف أن الناس وأفكارهم وعقائدهم أمانة في عنقه، وأي خلل في الطرح يسبب خدشة في المجتمع؛ لأن الفكرة الخطأ قد تهدم إنسانا ما أو قد تهدم أمة بأسرها.
ومن الطريف أن أحد الكوادر الجامعية العلمية العراقية زارنا في المؤسسة، وسأل عن كاتب هذا الكتاب، فالتقيت به وصرح لي بأمر طريف إذ قال: عندما قرأت كتاب "جدل التاريخ والمتخيل.. سيرة فاطمة"، قلت في نفسي ألا يوجد من يناقش ما جاء فيه من أفكار، والمفروض أن يصدر كتاب حول ذلك، واعتمل في نفسي عتب شديد على الكوادر العلمية الواعية في الحوزة العلمية و الجامعية، لماذا تترك الساحة الفكرية خالية من الإجابات عن أمثال هذه الشبهات؟! وبعد أسبوع ذهبت إلى معرض الكتاب في محافظتي، ورأيت أمامي كتابكم "إشكالية المتخيل في التراث الإسلامي"، ففرحت جدا وقمت بقراءته فوجدت ضالتي!
رابعا: ما أهم الإشكاليات التي يحاول الكتاب معالجتها؟ وما أهم تلك المعالجات؟
حاول البحث تفكيك فكرة المتخيل أو "إشكالية المتخيل" كما أسميناها، وبيان عدم استنادها على فكر رصين، وأنها صدى للفكر الحداثي الذي نشأ في بيئة تختلف تماما عن البيئة الإسلامية، وأن المتخيل رد فعل تجاه النص الديني الإسلامي جاء لعدم فهمه أساسا.
بالإضافة إلى هذا فهنالك إثارات حول شخصية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) طرحها أحدهم، وقام البحث بتفنيد أهمها.
خامسا: بعد نشر الكتاب كيف وجد الكاتب التفاعل مع محتواه؟ وهل هناك تواصل معين مع المؤلف ومناقشات مهمة حصلت بعد صدوره؟
كان التفاعل كبيرا في الوسط الثقافي، ونسخه نفدت في المعارض التي شاركت فيها مؤسسة الدليل، وكان الأكثر بيعا. وحصلت عدة مناقشات في بعض الصالونات الثقافية الخاصة. وأقامت مؤسسة الدليل ندوة حول موضوع الكتاب، وعقدت كرسيا علميا كذلك.
سادسا: ما دور مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث في تأليف هذا الكتاب؟ وما طبيعة الدعم المقدم من قبلها؟
لا يختلف اثنان في أن مؤسسة الدليل رائدة في مجال نشر العلم والفكر الأصيل، وتهتم اهتماما بالغا في الدفاع عن العقيدة وبيان معالم الدين وترسيخ الفكر والتفكير الصحيح البرهاني، بعيدا عن التشويش الفكري والأوهام الباطلة والأمية الثقافية. وقد أبدى كل من رئيس المؤسسة ونائبه اهتماما بالغا في تأليف الكتاب ودعم المؤلف؛ لإخراج الكتاب بأبهى صورة، وكانا لا يتأخران في إبداء الرأي والملاحظة. وهناك أمر يخص هذه المؤسسة، وهو أن أي إصدار عنها، سواء كان كتابا أو مقالا أو برنامجا علميا معينا، فإن كل أعضاء المؤسسة من إداريين وفنيين وإعلاميين وكوادر علمية تشترك في إخراجه، فتلحظ الاهتمام من الجميع، وكل إصدار يمثل في واقعه جهدا جماعيا مباركا.
سابعا: ألا ترى أن الكتاب بمحتواه وأسلوبه صعب على المتلقي؟
لدينا في مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث ثلاثة أنواع من الإصدارات، الأول هو الكتاب، والثاني الكتيب، والثالث الكراسة، فالكراسة تكون عادة للقارئ العادي الذي يمتلك ثقافة عامة، والكتيب للمستويات الأعلى من ذلك قليلا، أي يكون لطلبة الإعدادية والكليات وطلبة الحوزة في المستوى المتقدم (السطوح)، أما الكتاب فتارة يكتب للمستوى العالي من المثقفين كطلبة البحث الخارج في الحوزة العلمية وأساتذة الجامعات، وتارة يكتب لمن يمتلك الثقافة التخصصية التي تؤهله للقراءة الناجحة المنتجة وإن كان أقل من المستوى الأول.
وهذا الكتاب الذي بين أيديكم يخاطب طلبة البحث الخارج وأساتذة الجامعات ومن يمتلك ثقافة حوزوية وأكاديمية عالية، بحيث لا يعاني من صعوبة في قراءته له.
ومن الطريف أن أحد الإخوة - وهو ذو ثقافة ووعي لا بأس بهما - عندما التقينا قال ما آخر إصدار لك؟ وبمجرد أن أخبرته بعنوان الكتاب، قال لا أحد سيقرأه! فقلت لماذا؟ فأجابني بأن العنوان غريب وقد سمع به لأول مرة، وإذا كان العنوان هكذا فكيف بالمحتوى؟!
فقلت: ما تقوله صحيح؛ فليس كل واحد يقرأ أمثال هذه الكتب وهذه العناوين؛ لأنها تخصصية جدا، والمستهدف منها هم طلبة الخارج في الحوزة وأساتذة الجامعات وذوو الثقافة العالية التخصصية.
فنحن في المؤسسة ناظرون لجميع المستويات، ونكتب لكل مستوى بما يناسب الإمكانية الفكرية والثقافية التي يحملها. وقد تجد أسلوب الكتابة في إصدار آخر يختلف عما جاء في إصدار سابق لكاتب واحد في المؤسسة، وأنا لدي كتاب سوف يصدر قريبا يختلف تماما في الأسلوب عن هذا الإصدار، كوني ناظرا إلى اختلاف المخاطب هنا عن الأول، فهناك التفاوت في الطرح بين الصعوبة والتبسيط بحسب المخاطب.
تعليقات الزوار