حوار مع مؤلف
حوار مع الدكتور روح الله أحمد
حول كتابه "الإلهيات والفيزياء"
1ـ ما الفكرة العامة للكتاب؟ ما أهم الإشكاليات التي يحاول الكتاب معالجتها؟
في البداية، أود أن أحييكم وأحيي جميع القراء الكرام، وأشكركم على إتاحة الفرصة لي لتقديم كتاب "الإلهيات والفيزياء" إلى القراء المثقفين ورواد الحقيقة والمعرفة. فيما يتعلق بالفكرة والرسالة الرئيسة لهذا الكتاب، فيجب أن أقول إنه يسعى بنظرة عقلية وفلسفية محايدة إلى تفحص اثنين من العلوم المهمة والأساسية، وهما الإلهيات والفيزياء من حيث الموضوع والمنهج والتاريخ والأنواع والمكانة المعرفية بالنسبة للعلوم والمعارف الأخرى والإمكانيات والقدرات والقيود، ثم يسعى إلى إقامة حوار ومقارنة بين هذين الحقلین العلميين المهمين؛ لتظهر العلاقة بين اللاهوت والفيزياء والمكانة المعرفية لكل منهما بالنسبة للآخر، وليعالج في النهاية التحديات الكبرى التي أوجدتها كل من فروع الفيزياء القديمة، والفيزياء الكلاسيكية أو النيوتونية، والفيزياء الكوانتية للاعتقاد بوجود الإله وفعله في الكون.
كما تعلمون، شهدت العلوم الطبيعية - وخاصة الرياضيات - قفزة كبيرة في أوروبا بعد عصر النهضة. وعلى إثر ذلك جرى تحدي بعض الأفكار التي آمن بها الإنسان لقرون بشأن الكون والعالم، مثل نظرية مركزية الأرض التي اكتسبت نوعا من القداسة في المسيحية.
قدمت الفيزياء الجديدة أيضا بعض الأفكار حول بداية الكون التي شككت في فكرة الخلق، وطرحت تساؤلات حول مفاهيم فلسفية مثل السببية التي تستند إليها بعض البراهين على وجود الإله. من ناحية أخرى، إن الإنجازات المذهلة في مختلف أبعاد التقنية التي أوصلت الإنسان إلى الفضاء وأخضعت له الطبيعة التي كان محكوما بها في السابق، واللغة الواضحة والدقيقة للرياضيات التي تستفيد منها العلوم، دفعت الكثيرين إلى الظن بأن العلم - خاصة الفيزياء - هو الذي يستحق أن يعبر عن الحقيقة والواقع الإنساني والعالمي ويقدم إجابات لأسئلة الإنسان الأساسية.
لقد حاولنا في هذا الكتاب - باستخدام لغة المنطق والبرهان - دراسة هذه الادعاءات بدقة وتقييمها بشكل موضوعي، كما أننا من خلال التحليل الفلسفي لمجال الفيزياء وكذلك لغتها (الرياضيات)، ومن خلال التعمق في علم الإلهيات، سعينا أن نعرف أيا من هذين العلمين (الفيزياء والإلهيات) يمكنه أن يجيب على الأسئلة الأساسية للإنسان ويمنحه رؤية واسعة للعالم؟
2ـ ما أهم الدوافع التي حفزت الكاتب على التأليف في هذا الموضوع؟ وما الحلول التي قدمها الكتاب للإشكاليات المطروحة؟
في الإجابة على هذا السؤال أقول إن أحد المواضيع التي كانت تثير اهتمامي منذ سنوات هي مسألة العلم والدين، ومن خلال دراسة الكتب والأفكار في هذا المجال وتحليلها، لاحظت أن العديد من التحديات المطروحة تنبع من عدم الفهم الصحيح لكل من العلم والدين، وعدم الاطلاع الدقيق على موضوع الدراسة والبحث العلمي لكل منهما، وطرائق اكتساب المعرفة فيهما. في هذا السياق، قررت من جهة أن أتعامل مع ذلك الفرع المعرفي الذي يتحمل مسؤولية إثبات الجانب الاعتقادي وإبداء الرؤية الكونية للدين، وهو الإلهيات، ومن جهة أخرى أن أدرس ذلك العلم الذي يحتل أولوية ومرجعية في فهم العالم المادي بالنسبة لبقية العلوم الطبيعية، وهو الفيزياء.
في رأيي، إذا كان للإنسان تصور صحيح عن كل من هذين العلمين، ومكانتهما المعرفية الصحيحة، والعلاقة بينهما، فإن العديد من الأسئلة والشكوك ستختفي من تلقاء نفسها، وسينتهي التعارض بين الفيزياء والإلهیات إلى التكامل والتفاعل المثمر؛ لذا قررت أن أؤلف هذا الكتاب لسد الفجوات بين هذين العلمين، ولمساعدة المتخصصين في مجال العلوم الطبيعية - خاصة الفيزياء - في مواجهة النقص المعرفي والفلسفي الذي يواجهونه.
3ـ كم استغرقت عملية تأليف الكتاب؟ وما أهم المشاكل والتحديات التي واجهت الكاتب في ذلك؟ وما أبرز القضايا المثيرة للاهتمام؟
بالطبع، هذا العمل تم بالتوازي مع سائر الأنشطة العلمية التي كنت مكلفا بها. ومع ذلك، أعتقد أن البحث وكتابة هذا الكتاب استغرق عاما كاملا. أما عن التحديات والمشاكل التي واجهتها أثناء الكتابة ، فيجب أن أقول إنه رغم مضي الكثير من الوقت وأنا مهتم بمسائل الفيزياء وتتبع موضوعاتها والمشاركة في مجموعة من الدورات في هذا المجال، إلا أن تخصصي الأساسي هو الفلسفة، وقد حاولت توثيق جميع المعلومات الفيزيائية الموجودة في الكتاب بمصادر موثوقة وجامعية، وغالبا ما كانت من اللغات الأصلية في مجال الفيزياء، وهذا الأمر تطلب مني جهدا ووقتا كبيرين. بالإضافة إلى ذلك، تم تقديم هذا الكتاب لبعض أساتذة الفيزياء من أجل تقييم مصداقيته من حيث المسائل الفيزيائية، والحمد لله حاز الكتاب على إعجابهم. على أي حال، العمل العلمي له صعوباته الخاصة، ولكن مع ذلك، فهو ممتع جدا للباحث عن المعرفة والعلم، وقد منحتني كتابة هذا السفر المتواضع لحظات جميلة وذكريات مميزة من رحلة علمية واكتشاف حقائق عديدة وسعي نحو نور المعرفة، وآمل أن يتمكن قرائي الأعزاء من خوض تجربة مماثلة أثناء قراءة الكتاب.
4ـ بعد نشر الكتاب كيف وجد الكاتب التفاعل مع محتواه؟ وهل هناك تواصل محدد مع المؤلف ونقاشات دارت بعد صدوره؟
الحمد لله، لقد لاقى هذا الكتاب منذ نشره إقبالا جيدا من قبل القراء. واجهت العديد من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم يسعون للحصول على الكتاب، بنسخته الورقية أو الإلكترونية. كما ألاحظ في الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي أن المستخدمين يقدمون هذا الكتاب بطرق متنوعة، مثل نشر صور للكتاب أو مشاركة آرائهم وتجاربهم حول امتلاك الكتاب وقراءته.
من جانب آخر، يحتوي هذا الكتاب على مجموعة فريدة من أقوال كبار الفيزيائيين حول مواضيع لاهوتية مثل مفهوم الإله، وإثبات وجود الإله، واحتياج الإنسان إلى الدين، وعلاقة العلم بالدين، والعديد من المفاهيم الأخرى في فلسفة الفيزياء باللغة العربية، وقد قام بعضهم بالاستناد إلى هذا الكتاب لنشر هذه الأقوال في شبكات مثل تويتر.
5ـ ما دور مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث في تأليف هذا الكتاب؟ وما الدعم الذي قدمته في هذا الصدد؟
لمؤسسة الدليل الموقرة دور لا يمكن إنكاره في ظهور هذا الكتاب، وأنا مدين للمؤسسة على الدعم الشامل الذي قدمته، سواء من رئاستها الحكيمة أو من الزملاء ذوي المهارات العلمية الكبيرة. لقد وفرت لي المؤسسة المصادر والإمكانات التي رأيت أنها مفيدة بسرعة. على سبيل المثال، خلال هذا المشروع، عُقدت دورة تفصيلية في طهران بحضور أفضل أساتذة الفيزياء لتعريف هذا العلم إلى العاملين في مجال اللاهوت والفلسفة، فأبلغت المسؤولين في المؤسسة عن وجود هذه الدورة، وعبرت عن استعدادي للمشاركة فيها، وتمت الموافقة فورا، وكلفت من قبل المؤسسة بالمشاركة في هذه الدورة وتقديم تقرير عنها. ولا بأس أن يعرف القراء الأعزاء أن عملية إنتاج الكتاب في هذه المؤسسة هي عملية مدروسة ودقيقة، إذ يخضع الكتاب للقراءة والنقد والإصلاح أكثر من مرة حتى يتم طبعه بصورة جميلة ومميزة وفي ثوب قشيب؛ لذا فأنا مدين لزملائي الأعزاء في المؤسسة.
6ـ في النهاية، حبذا لو تذكرون ما يفيد قراءنا الأعزاء حول الكتاب ولم يتم التطرق إليه!
في الختام، أود أن أشير بسرعة إلى بعض الخصوصيات والمزايا الأخرى لهذا الكتاب ضمن بعض النقاط، أولها محاولة تقديم المفاهيم الفيزيائية للكتاب بشكل مفهومي بدلا من اللجوء إلى اللغة الرياضية وصياغة المعادلات الفيزيائية إلا في حالات نادرة. وهذا يجعل فهم المفاهيم الفيزيائية أكثر سهولة وجاذبية للقراء، وحتى لأولئك المتخصصين في الفيزياء الذين اعتادوا على اللغة الرياضية الرسمية، قد يجدون الجانب الفيزيائي من الكتاب جذابا.
والنقطة الأخرى هي أننا سعينا في تاريخ الفيزياء إلى إبراز دور العلماء المسلمين في تطوير المعرفة الفيزيائية وتعزيزها، في حين يتم التغافل عنهم غالبا في هذا العلم وفي الكتب الرسمية والجامعية حول الفيزياء. مع الإشارة إلى بعض النصوص القرآنية والحديثية المثيرة للاهتمام، ونسعى إلى إكمال الأضلاع لمثلث الفيزياء والفلسفة والدين لتشكيل منظومة فكرية كاملة ومتماسكة للقارئ.
والنقطة الثالثة التي أود التذكير بها هي أن هذا الكتاب، رغم كونه كتابا تخصصيا وعلميا وفلسفيا بتناسب موضوعه، إلا أنني ألفته لجمهور من الأفراد الأذكياء والموهوبين والقراء المحترفين والأساتذة والطلاب الذين لديهم معرفة إجمالية بالعلم والفلسفة؛ ولذلك يمكنهم التفاعل معه وفهمه بشكل كامل وصحيح، بشرط أن لا تكون قراءته على إيقاع قراءة الكتب الأدبية أو الروائية، بل يجب قراءته بتمعن.
وأنا متحمس حقا لمعرفة آراء الطلاب والأساتذة الأعزاء في هذا الكتاب، وأرحب بالنقد والاقتراحات البناءة من أهل العلم والمعرفة؛ لاستخدامها في الطبعات اللاحقة من الكتاب وكذلك في التأليفات المستقبلية.
تعليقات الزوار