
















حوار مع الدكتور صفاء الدين الخزرجي حول كتابه " إشكالية خفاء النص في إمامة علي عليه السلام .. قراءة نقدية
أولا: ما الفكرة العامة للكتاب؟
تدور فكرة الكتاب بشكل عام حول إشكالية طالما كانت وما تزال مطروحة في النقاشات والسجالات الدائرة حول نظرية الاستخلاف والنص، ولهذه الإشكالية نوع من الوجاهة والأهمية المنطقية التي تستدعي التوقف عندها، والاهتمام بها، ومناقشتها مناقشة موضوعية بعيدة عن التعصب والانحياز؛ إذ كيف يعقل أن مجتمعا كبيرا من المؤمنين والمسلمين وذوي السابقة في الجهاد والدين يهمل بأكثريته الساحقة وصية نبيه وقائده؟ ويضرب بها عرض الجدار، وليس له في ذلك أية مصلحة شخصية أو سياسية أو غيرها! إن هذه الإشكالية تنطلق من أن فرضية الوصية التي تقول بها الشيعة وتبني عليها عقيدتها تستبطن في داخلها في الحقيقة تشكيكا وطعنا بمصداقية جميع ذلك المجتمع، الذي لم يتفاعل مع موضوع الوصية وترك الأخذ بها، ومثل هذا التشكيك أو الطعن يعد بطبيعته أمرا مستبعدا جدا في حقهم؛ لأنهم يمثلون القاعدة التي قام عليها الإسلام، والحاضنة التي احتضنت الدعوة وخاضت دونها الأهوال في الحروب والغزوات، وتحملت ما تحملت من أجل إرساء قواعد الدين.
ثانيا: ما أهم الدوافع التي حفزت الكاتب على التأليف في هذا الموضوع؟
في الحقيقة أن هناك عدة أسباب وحوافز قادتني للبحث في هذه الإشكالية، بالرغم من تطرقي لها في كتابي الآخر "نصوص الخلفاء الاثني عشر في ضوء المنهج الاستقرائي.. دراسة تطبيقية مقارنة" الذي سيصدر قريبا إن شاء الله تعالى عن مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث، ولكن البحث هناك كان بشكل مقتضب يتناسب مع الإشكاليات والشبهات المطروحة حول حديث الخلفاء الاثني عشر؛ فلذا ارتايت إعادة دراستها بتفصيل أكثر، وإفرادها بالبحث بشكل مستقل بما يتناسب وأهميتها؛ وذلك للاعتبارات والأسباب التالية:
1- قوة الإشكالية ووجاهتها ومعقوليتها في نفسها كما تقدم؛ لأن هذه الإشكالية أو الاستبعاد لموقف الرعيل الأول من الوصية يتبادر إلى ذهن كل إنسان مسلم، فيطرح مثل هذا التساؤل المشروع حول مبررات تركهم للوصية والنص، مع انتفاء المصلحة لهم في ذلك. فهنا نجد أنه يقر بقوة المقتضي وهو النصوص الدالة على الوصية، ولكنه يتوقف أو يتراجع لما يرى المانع، وهو استبعاد أن يجتمع الرعيل الأول على ترك الوصية والاستخلاف.
2- أن هذه الإشكالية تشكل مانعا أو حاجزا نفسيا في وجه من يريد معرفة الحقيقة والوصول إليها؛ لأن الإنسان بطبعه يميل إلى الأكثرية، وينساق مع العقل الجمعي، ويستبعد أن تكون الأكثرية على خطإ، لا سيما إذا كان فيهم أسماء كبيرة وعناوين معروفة، ومن هنا فإذا استطعنا رفع هذا المانع وكسر هذا الحاجز كان بالإمكان فتح الطريق بسهولة لفهم الحقيقة، من خلال الأدلة الدالة على الوصية والاستخلاف.
3- لم أجد بحسب تتبعي وبحثي في موضوع الإمامة دراسة أو بحثا مستقلا يتكفل بمناقشة هذه الإشكالية والرد عليها بشكل واف وکامل، مما شجعني على الكتابة فيها والرد عليها.
ثالثا: كم استغرقت عملية تأليف الكتاب؟ وما أهم المشاكل والتحديات التي واجهت الكاتب في ذلك؟ وما أبرز القضايا المثيرة للاهتمام؟
لقد استغرقت الرحلة في كتابة هذا الإصدار بضعة أشهر بتوفيق من الله تعالى، ومن التحديات التي واجهتني في البحث قلة البحوث والمصادر التي تعرضت للإجابة عن هذه الإشكالية؛ لأن أكثر بحوثنا الكلامية والعقدية تتركز على طرح الأدلة على نظرية الاستخلاف والنص، وقلما يجري التعرض للموانع.
وأما عن أهم شيء أثار اهتمامي وانتباهي في البحث، فهو كلام ابن ابي الحديد المعتزلي الذي وجد نفسه أمام طريقين، الأول هو الأخذ بنصوص الوصية التي قال إنها تكاد تكون دالة عليها، والثاني هو الخضوع للواقع ومحاولة تبريره والدفاع عنه وترك النصوص ودلالتها الواضحة، فاختار الطريق الثاني، وقام بإلغاء النصوص ودلالة الأحاديث الصريحة والصحيحة، وتركها جانبا لصالح العقل الجمعي ولحكم الأكثرية، والسؤال المطروح هنا هو: هل نحن مكلفون من الناحية الدينية باتباع النبي (ص) أم باتباع الأكثرية والدفاع عنها؟! فمن هو الأصل في هذه المعادلة ومن هو الفرع ؟ ومن هو التابع ومن هو المتبوع ؟ هل النبي هو الأصل والأساس أم لا؟! هذا هو السؤال المطروح على ابن أبي الحديد وكل من هو على شاكلته ورأيه، لكن الظاهر أن المعادلة معكوسة عند بعضهم، بل عند الكثيرين ممن يريد تلميع صورة الأكثرية ولو على حساب الحقيقة، وعلى حساب صريح قول النبي (ص).
رابعا: حدثنا عن أهمية الكتاب.
تكمن أهمية هذا الإصدار في أنه يحاول تقديم مناقشة موضوعية لشبهة دقيقة قادت بعض العلماء فضلا عن عامة الناس إلى التأثر بها؛ لأنها مؤثرة بطبيعتها على العقل الجمعي والوجداني؛ لأنك من الناحية النفسية تجد نفسك بين فريقين من صحابة النبي (ص)، فريق يمثل الأكثرية الساحقة الذي ترك فرضية الوصية وأيد أو واكب فرضية الانتخاب والبيعة، وهؤلاء فيهم وجوه الصحابة، وفريق آخر وهم الأقلية (البيت الهاشمي + بعض الصحابة) الذين خالفوا وادعوا الوصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وحينئذ فإن من الطبيعي أن يختلج في ذهن كل مسلم استبعاد أن يترك كل هؤلاء الصحابة من الفريق الأول - مع سوابقهم الكثيرة في الإسلام وجهادهم وتضحيتهم، ومع حسن الظن بهم - وصية النبي (ص)، وأن لا يلتفتوا إليها ويغفلوا عنها مع قربهم من مصدر الوحي، بحيث لا نحتمل عدم الفهم للوصية أو حصول الالتباس فيها.
خامسا: حدثنا عن الجديد في الكتاب والهدف من تأليفه.
الجديد الذي يقدمه هذا الكتاب هو كونه الأول في الإجابة عن هذه الإشكالية ومناقشتها، هذا أولا. وثانيا: محاولته أن يجيب عن هذه الإشكالية من جميع جوانبها وأبعادها وبشكل موضوعي ومجرد عن التعصب في خمسة عشر جوابا، فجامعيته وشموليته في الإجابة تعد الميزة الأخرى فيه، ونسأل الله أن يكون مقبولا عنده وعند أوليائه، لا سیما مولانا أمير المؤمنين (ع).
بالنسبة إلى الهدف من البحث فهو أولا إزالة هذا الاستبعاد الذي تقوم عليه الشبهة أو الإشكالية من الأذهان، أي إزالة المانع من طريق تأثير المقتضي وهو أدلة الوصية والاستخلاف، وثانيا محاولته دعوة العقل المسلم إلى التفكير الموضوعي المجرد، بعيدا عن تأثيرات الواقع وتداعيات العقل الجمعي، فإن من المهم أن يتمرن المسلم المعاصر على طريقة التفكير الصحيح والموضوعي؛ ليخرج من بوتقة الواقع التاريخي إلى رحاب الاستدلال والدليل.
سادسا: ما أهم الإشكاليات التي يحاول الكتاب معالجتها؟ وما الحلول التي قدمها لهذه الإشكاليات؟
ذكرنا أن الإشكالية المهمة التي يعالجها الكتاب هي رفع الاستبعاد الذي تنطوي عليه من عدم إمكانية وقوع التخلف أو الانقلاب السريع على الوصية بين عشية وضحاها؛ لأن هذا الاستبعاد يقوم على فرضية أن الأمة الإسلامية استثناء من السنن التاريخية والاجتماعية التي تمر بها الشعوب والأمم من التغير والتبدل في المواقف والآراء، خصوصا مع غياب الرمز والقائد، وخصوصا مع تعاقب الأجيال، وقد حصل هذا الأمر في الديانات السابقة وأتباعها حتى في زمن أنبيائها، كما في بني إسرائيل بعد نجاتهم من الغرق؛ إذ ذهبوا إلى عبادة العجل، وقد قال بعض اليهود لأمير المؤمنين (ع) في ذلك: «ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه! فقال (ع) له: إنما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون"».
وعليه، فإن ظاهرة الاختلافات والانشقاقات والتناحرات بعد موت المؤسس، بل وفي زمانه، ليس بدعا أو أمرا جديدا في الأمة الإسلامية ولا هي مستثناة منه، بل هي ظاهرة كانت وما تزال في كل وضع ديني أو فكري أو اجتماعي أو سياسي جديد، فإنه سرعان ما تظهر فيه الاختلافات في وجهات النظر، بل إنه تبرز مواقف تناقض مواقف المؤسس والمنظر الأول أو آراءه، وهو ما يطلق عليه الاجتهاد في مقابل النص، وقد صنف السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي كتابا تحت عنوان "النص والاجتهاد" أحصى فيه الحالات التي جرى فيها الاجتهاد في مقابل النص على زمن الرسول (ص)، وقد أشار أبو جعفر النقيب أستاذ ابن أبي الحديد إلى جملة من تلك الموارد التي نقلها عنه تلميذه في شرح النهج.
سابعا: ما دور مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث في تأليف هذا الكتاب؟ وما الدعم الذي قدمته في هذا الصدد؟
كان لمؤسسة الدليل الموقرة دور الإسناد والمؤازرة، سواء على المستوى العلمي أو المستوى الفني والإعلامي، ومن هنا أتقدم بالشكر الجزيل الوافر إلى جميع الإخوة الكرام في المجلس العلمي الموقر على دعمهم البحث من خلال إبداء وجهات نظرهم وملاحظاتهم، وكذلك أتقدم بالشكر الوافر إلى الإخوة الأعزاء في التقويم اللغوي على جهودهم في تقويم النص لغويا، والإخوة في شعبة العلاقات والإعلام على تقديم الدعم الفني وجهودهم في إصدار الكتاب ونشره بهذه الحلة القشيبة، فجزاهم الله خيرا.
تعليقات الزوار