سبيل النموّ المعرفيّ
«إنّ نموّ المعرفة يعتمد بالكلّيّة على الاختلاف» عبارةٌ استهلّ بها كارل بوبر كتابه (أسطورة الإطار)، ولست أعترض على أنّ الاختلاف أحيانًا يكون محفزًا للبحث، بيد أنّ الإطلاق في هذه العبارة - بأن جعل نموّ المعرفة مطلقًا يعتمد على الاختلاف - شيءٌ في غاية الغرابة، وقد أشار إلى رفضه للتخصّصات واعتماد أهل الخبرة في المعرفة، فهو يريد المعرفة مستباحةً من كلّ أحدٍ، ونعود إلى معياره، كيف يكون الاختلاف علةً تامةً لنموّ المعرفة؟ ونحن بالوجدان نشهد أنّه كثيرًا ما يحصل اختلافٌ في وجهات النظر في مسألةٍ غير واقعيّةٍ من الأصل، من قبيل فكرة الثالوث المسيحيّ والاختلاف الدائر في تفسيرها، أو فكرة الجزء الّذي لا يتجزّأ واتّجاهات المتكلّمين فيها، ومسألة كلام الله - تعالى - أهو محدثٌ أم قديمٌ، أو فكرة الأفلاك وعددها عند الطبيعيّين القدامى، فلا نرى أيّ تقدّمٍ معرفيٍّ حاصلٍ نتيجة النزاعات والسجالات الكبيرة حول هذه المسائل، بل من المتسالم أنّ بعض الخلافات الفكريّة أثّرت سلبًا على تنامي المعرفة وأحاطت المجتمعات بمزيدٍ من الجهل والخرافة، ومن وجهة نظري أنّ الشيء الأساسيّ في تنامي المعرفة هو واقعيّة المنهج؛ ولذا نجد أنّ الفلسفة حينما كانت تعتمد منهجًا عقليًّا محكمًا (المنطق) كانت هناك أبحاثٌ قيّمةٌ ومعارف جليلةٌ استفادت منها البشريّة، وما زال أثرها قائمًا إلى يومنا هذا. وكذلك عندما اتُّخِذَ المنهج التجريبيّ طريقًا للمعرفة الطبيعيّة أنتج لنا كمًّا هائلًا من المعارف والاكتشافات العلميّة نلمسها ونحسّ بها.
الدكتور صالح الوائلي ـ رئيس مؤسّسة الدليل للدراسات والبحوث
تعليقات الزوار